هو نسيان غفلة ، وغيبة ، وتذكر. وهذا ما يتعرض إليه البشر عادة ، والرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» من البشر ينسى ، ويغفل ، ويغيب عليه الأمر أحيانا. فروايات الحديث لا تعني أبدا أن الآيات القرآنية التي سمعها الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» من الرجل الذي كان يقرأها ، وهو عباد بن بشار لا تعني أنّها قد انمحت من ذهن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» وإنما غاية ما عنته : أن تلك الآيات كانت غائبة عن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وكان لا يتذكرها في تلك اللحظة ، ثم ذكرها ، وافتكرها بقراءة عباد بن بشار. ومن المعلوم أنّ غيبة الشيء ، وغفلة الذهن غير محوه. والدليل على ذلك أنّ الإنسان بطبعه ـ والرسول إنسان ـ قد يغيب عنه النص أحيانا إذا اشتغل الذهن بغيره ، وهو يدرك في نفس الوقت أن النص مخزون في ذهنه سيستحضره إذا ما نبه إليه ، وسيفتكره ، وسيتذكره إذا ما ذكر إليه. أمّا النسيان التام المرادف لإيحاء الشيء من الذاكرة ، فهذا مستحيل على الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وخاصة فيما يتعلق بمهام التبليغ للرسالة ، والبيان للقرآن. فنسيان الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» لم يكن نسيان تبليغ ، أو نسيان بيان للقرآن أبدا ، فهو قد أبلغ ما نزل عليه من قرآن ، وأطاع أمر الله في التبليغ ، والله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) سورة المائدة آية ٦٧.
والله تعالى قد تكفل ببيانه وتبليغه للناس على لسان رسوله. فهو يقول : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) سورة القيامة الآيات ١٦ ـ ١٩.
وما دامت العناية الإلهية قد تكفلت ببيان القرآن ، وتبليغه للناس على لسان نبيه ، فكيف يعقل أن يكون الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» قد نسي شيئا من القرآن ، أو أسقطه ، ولم يبلغه للناس!!. ولا شك أنّ نسيان الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، والذي ورد في الحديث لم يك نسيان تبليغ ، أو بيان ، أو تعليم ، وإنما كان نسيان غفلة ، وغيابا ذهنيا ، وعدم تذكّر ليس إلّا.