وقد ذكر الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه «مناهل العرفان» : «وقال الجمهور : جاز النسيان عليه فيما ليس طريقة البلاغ ، والتعليم ، بشرط ألا يقر عليه ، لا بد أن يذكره ، وأما غيره فلا يجوز قبل التبليغ ، وأما نسيان ما بلغه كما في الحديث فهو جائز بلا خلاف» (١).
د ـ إن نسيان الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» الوارد في الحديث ليس نسيان ضياع ، أو فقد ، وليس إسقاطا للقرآن الكريم. والدليل على ذلك : أنّ ما نسيه الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» من آيات قرآنية كان قد حفظها ، وبلغها لأصحابه ، وبينها لهم ، فحفظوها ووعوها ، وحفظوها في صدورهم ، وعقولهم ، وقلوبهم ؛ وكتبوها في سطورهم ، وفي كتبهم ، وفي مصاحفهم. وليس هناك ما يدل على أنّهم لم يبلغوها ، أو لم يحفظوها ، أو نسوها حتى يخاف عليها من الضياع ، والفقدان. والقرآن كله بآياته ، والتي بلغت حوالي ستة آلاف ومائتي آية وأكثر ، تعهدته العناية الإلهية بالحفظ من الضياع مصداق قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) سورة الحجر آية ٩.
ه ـ إن نسيان الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» الوارد في الحديث إنّما هو بمعنى غياب التذكر ، والذي ينتاب الإنسان من بعد غفلة ، ولكن سرعان ما يضمحل الغياب ، ويصفو التذكر. فقد روى أبو منصور الأرجاني في كتاب «فضائل القرآن» أن النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» كان يقول عند ختم القرآن : «اللهم ذكرني منه ما نسيت ، وعلمني منه ما جهلت ، وارزقني تلاوته أناء الليل والنهار ، واجعله حجة لي يا رب العالمين».
ولنا القول : بأن النسيان الوارد في الحديث لا يعني الإسقاط ، كما لا يعني نسيان التبليغ. وإنما هو نسيان غفلة ، وغيبة ، وعدم تذكر من
__________________
(١) محمد عبد العظيم الزرقاني : مناهل العرفان. ص ٢٦٧.