بعد حفظ ، ومن بعد وعي ، ومن بعد تبليغ. وهذه صفات بشرية ، والرسول بشر ، يصح منه النسيان ، ويصح أن يغفل عما حفظ من القرآن سيتذكره فيما بعد ؛ ولو حصل منه شيء من ذلك النسيان ، أو الغفلة ، فهذا لا يعني إسقاطا ، ولا امحاء ، لأن القرآن سبق أن حفظ ، ودون ، وجمع من قبل الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» وصحابته.
ثانيا : وأما بالنسبة للآية القرآنية التي استندوا إليها في تأييد شبهتهم : بأن الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» أسقط عمدا ، أو أنسي شيئا من القرآن ، فهي قوله تعالى في سورة الأعلى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ) سورة الأعلى آية ٦ ـ ٧.
وأصحاب هذه الشبهة يرون أن ما جاء في الآية يدل بطريق الاستثناء الواقع فيه على أن محمدا «صلىاللهعليهوآلهوسلم» قد أسقط عمدا ، أو أنسي آيات لم يتوفر له من يذكره إياها.
ويرد عليهم : بأن الاستثناء الوارد في الآية بجملة : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) معناه : أن عدم نسيان الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» هو بفضل من الله تعالى ، ومشيئته ، ولا يعني النسيان بذاته ، قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) يعلق وقوع النسيان على مشيئة الله إياه ، والمشيئة لم تقع ، والنسيان لم يقع ، وبالقاعدة : فإن عدم حصول المعلق عليه ، «وهو مشيئة الله» يستلزم عدم حصول المعلق ، وهو النسيان. ودليل ذلك أن العناية الإلهية ، والمشيئة الربانية ، اقتضتا جمع القرآن ، ومن ثم بيانه ، وتبليغه على لسان الرسول «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وهذا يتنافى مع وقوع النسيان مصداق قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ). ومن هنا يبقى الاستثناء الوارد في الآية استثناء صوريا ، وليس حقيقيا ، فالله تعالى وعد رسوله أن يقرئه القرآن فلا ينساه ، وعلى وجه التأييد.
قال الإمام محمد عبده في تفسيره للاستثناء الوارد في الآية ما نصه : «ولما كان الوعد على وجه التأييد ، واللزوم ، ربما يوهم أن قدرة الله