لا تسع غيره ، وأنّ ذلك خارج عن إرادته «جل شأنه» جاء بالاستثناء في قوله : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، فإنّه إذا أراد أن ينسيك شيئا ، لم يعجزه ذلك ، فالقصد هو نفي النسيان رأسا. وقالوا : إن ذلك كما يقول الرجل لصاحبه : «أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله» لا يقصد استثناء شيء وهو من استعمال القلة في معنى النفي. وعلى ذلك جاء الاستثناء في قوله تعالى في سورة هود : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير مقطوع ، فالاستثناء في مثل هذا المتنبية على أنّ ذلك التأييد والتخليد إنّما هو بكرم من الله وفضل منه لا بإيجاب وإلزام عليه ، ولو أراد عكس ذلك ، أي أن يأخذ ما وهب ، لم يمنعه من ذلك مانع» (١).
الشبهة الثامنة : (٢)
يقولون : روي عن هشام بن عروة عن أبيه أنّه قال : سألت عائشة عن لحن القرآن ، عن قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وعن قوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) وعن قوله تعالى : «إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنّصارى والصّابئون». فقالت : يا بن أخي ، هذا من عمل الكتّاب ، قد أخطئوا في الكتاب.
قال السيوطي في هذا الخبر : إسناده صحيح على شرط الشيخين. ويقولون أيضا : روي عن أبي خلف مولى بني جمح أنّه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة فقال : جئت أسألك عن آية في كتاب الله ؛ كيف كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقرؤها؟ قالت : أيّة آية؟ قال : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) أو
__________________
(١) لقد أفاض وأجاد شيخنا محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه «مناهل العرفان» مناقشة مثل هذه الشبه ، وتفنيدها.
(٢) محمد عبد العظيم الزرقاني ـ مناهل العرفان في علوم القرآن. الجزء الأول ـ ص ٣٩٣ ـ ٣٩٨ فيقول حرفيا.