المبحث الثالث
مناظراته وأجوبته
لم يكن دور الإمام الباقر (عليهالسلام) مقتصرا على الفقه وأصوله ، والحديث وقواعده ، وتفسير القرآن وعلومه ، بل كان يناظر أصول الدين الإسلامي ويحاول تركيزها في النفوس حتى لا تتعرض لما أثير في ذلك العصر من الجدل والنزاع في أصول العقائد ، فقد كان عصره من أدق العصور الإسلامية وأكثرها حساسية ، فقد نشأت فيه الكثير من الفرق الإسلامية التي كانت من أخطر الظواهر الفكرية والاجتماعية في ذلك العصر.
فكانت وفود العلماء تقصده إلى المدينة المنورة وهي ما زالت المركز الإسلامي الأول ، يأخذون عنه الأحكام ، وكان علما يشار إليه بالبنان في إرشاد الناس وتحذيرهم من الزيغ والضلال ويرجعون إليه في معضلات المسائل ، فيحل لهم عقالها ويوضح لهم ما أشكل عليهم فهمه من أحكام الدين ، وقد تنوعت أجوبة الإمام الباقر (عليهالسلام) ومناظراته بتنوع الوافدين عليه ، فقد وفد عليه قادة بعض الفرق الإسلامية مثل الخوارج والمعتزلة وكذلك بعض الفقهاء والمفسرين والعلماء أمثال قتادة بن دعامة وطاوس اليماني وبعض الزهاد ، فكل واحد من هؤلاء قد أخذ من الإمام الباقر (عليهالسلام) مبتغاه ، إن كان سائلا على سبيل الاستفسار والاستفهام ، أو على سبيل الاختبار والإفحام ، وإليك بعض تلك الأجوبة والمناظرات :
أولا : مناظراته وأجوبته مع بعض المفسرين والفقهاء والعلماء
المناظرة الأولى : مع طاوس اليماني (ت ١٠٦ ه) (١)
جاء في رواية أبي بصير : أن الإمام الباقر (عليهالسلام) جلس يوما في الحرم ، معه جماعة من أصحابه فأقبل طاوس اليماني في جماعة من الناس ، وقال لأبي جعفر : أتأذن لي
__________________
(١) هو أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني ، الهمداني ، اليماني ـ أحد أئمة العلماء ـ ومن رواة الستة ، وثّقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي ، وذكره ابن حبان في الثقاة .. وقال : كان من عباد أهل اليمن وفقهائهم ومن سادات التابعين ، مات بمكة سنة (١٠٦ ه) انظر مصادر ترجمته : الطبقات الكبرى لابن سعد ، ٥ / ٣٦١+ الجمع للقيسراني ٢٣٥+ الأنساب للسمعاني ، ١٣٧+ طبقات المدلسين للعسقلاني ٥ (١) ص ٧٧.