المبحث الثاني
منهجه في تفسير القرآن بالسنة النبوية الشريفة
اتفق علماء المسلمين ـ من مفسرين وغيرهم ـ على أن آيات التشريع الواردة في القرآن الكريم محصورة بنحو خمسمائة آية فيها المطلق الذي قيد في السنة أو المجمل الذي فصل بها مما يجعل معرفة جميع الأحكام الكثيرة من تلك الآيات القليلة أمرا ليس ميسورا ، بل ممتنعا ما لم يكن بتوسط السنة (١) ، ومن وظائف تلك السنة هو التفسير ، ومن المؤكد أن للتفسير مكانة عظمى ولمكانته تلك كان من الضروري أن يقوم بمهمة تبليغه للناس الرسول الكريم (صلىاللهعليهوآله) أمين الله على تبليغ كتابه ووحيه ، والذي كان أول من مارس التفسير وعلّمه للناس (٢) ، وأدى وظيفته في بيان القرآن الكريم أتم أداء واكمله ، امتثالا لأمر الله سبحانه بقوله : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)(٣) ، فقام النبي (صلىاللهعليهوآله) بهذا البيان بقوله وفعله وتقريره ، يقول ابن ابي حاتم : فكان رسول الله هو المبين عن الله أمره ، وعن كتابه معاني ما خوطب به الناس ، وما أراد الله (عزوجل) به وعنى فيه (٤).
ولو استثنينا تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة من المصادر المأثورة سنجد اتساع الخلاف بين المسلمين بشأن حجية ما جاء عن غير هذين المصدرين من التفسير ، لذا كان لزاما على المفسر للقرآن الكريم أن ينطلق أولا من تفسير القرآن بالقرآن لأنه كما تقدم من أرقى أنواع التفسير ، وبعد استفراغ جهده عليه أن ينتقل الى المأثور عن الرسول الكريم (صلىاللهعليهوآله) فما جاء منه مفسرا للكتاب وبسند صحيح أخذ به لأنه أحق أن يتبع ولا مناص للعدول عنه ، ذلك (لأن الله تعالى كما أنزل الكتاب على رسوله أمره بتوضيح المراد منه كي يتم التبليغ وتقوم الحجة
__________________
(١) قواعد الحديث ، الغريفي ، ١٠.
(٢) ظ : دراسات في التفسير ورجاله ، أبو اليقظان الجبوري ، ٧٥+ من روائع القرآن ، البوطي ، ٨٥.
(٣) النحل / ٤٤.
(٤) تقدمة المعرفة ، ابن أبي حاتم الرازي ، ١ / ٢.