المبحث الرابع
استنباط المعاني للآيات
الاستنباط كما قال ابن قيم الجوزية : استنباط المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض ، فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله ومشبهه ونظيره ، ويلغى ما لا يصح ، والاستنباط كالاستخراج ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ (١) ، وهذا الاستنباط هو ما يسمى بالتأويل في معناه العام ، ودعا به النبي (صلىاللهعليهوآله) لابن عباس في قوله : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (٢) ، وقد أشار اليه بعض العلماء بقوله : التفسير بالمقتضي من معنى الكلام والمقتضب من قوة الشرع (٣) ، غير أن الحديث عن الاستنباط أو التأويل بمعناه العام يجرنا إلى الحديث عن معنى التأويل وأنواعه والفرق بينه وبين التفسير ، والبحث في هذه المسألة ليس هنا محله ، فلذلك نريد أن نقول : إن استنباطات الإمام الباقر كثيرة لكثرة ما روي عنه في التفسير ، فقد كان غواصا على المعاني ، مقتنصا لشوارد المسائل ، متلمسا وجه العلة ومناسبة الحكم وقد أورد له الشيخ الصدوق وحده في كتابه علل الشرائع أكثر من (٩٣) مسألة في علل الأحكام وتوجيهاتها ، وسنورد هنا بعض النماذج على ما قررناه.
١ ـ روى الطبرسي في تفسير قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(٤) عن الإمام الباقر قال : أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الإيمان كمثل الناعق في دعائه والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم وإنما تسمع الدعاء (٥).
__________________
(١) اعلام الموقعين ، ابن القيم ، ١ / ٢٢٥+ التبيان في أقسام القرآن ، ١٤٤.
(٢) مسند الإمام أحمد ، شرح أحمد محمد شاكر ، ٤ / ١٢٧.
(٣) البرهان في علوم القرآن ، الزركشي ، ١ / ١٦٠+ الاتقان ، السيوطي ، ٢ / ١٢٨.
(٤) البقرة / ١٧١.
(٥) مجمع البيان ، الطبرسي ، ١ / ٢٥٥+ مواهب الرحمن ، السبزواري ، ٢ / ٣٢٦.