المبحث الأول
آراؤه في الناسخ والمنسوخ وموقفه منه
من المسائل المهمة في علوم القرآن هي معرفة الناسخ والمنسوخ بل وفي التفسير أيضا ، حتى أن العلماء قد نقلوا قول الإمام علي بن أبي طالب لقاض : أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : لا ، قال الإمام : إذن هلكت وأهلكت (١) ، وقال أئمة العلم كذلك لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف الناسخ والمنسوخ ، وهو ما خلص الله به هذه الأمة لحكم منها : التيسير وتدرج الأحكام ، والنسخ واقع بالقرآن والسنة ولكل منهما (٢).
والاعتراض على هذا القول يبدو في حكمة النسخ من تدرج الأحكام باعتبار أن التدرج في الحكم غير النسخ بالاصطلاح ، فالتدرج كان لحكمة اقتضتها التربية الالهية التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يربي بها خلقه ، وأما النسخ في الاصطلاح : فهو رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه (٣). والفرق واضح بين التدرج والرفع حتى في اللغة فلا يحتاج إلى مزيد توضيح.
ويبدو أن العلماء قد ولعوا ولوعا شديدا في هذه المسألة ـ وهو موقفهم من النسخ ـ حتى أنهم انقسموا إلى ثلاثة مذاهب مأخوذة من اثنتين وهي كما يأتي :
الأول : قال بعض العلماء بوقوع النسخ بشكل كبيرا جدا ، حتى أنهم قطعوا أوصال الآية الواحدة ، فزعموا أن أولها منسوخ وآخرها ناسخ ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(٤) فان آخر
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٢ / ٦٢+ الاتقان ، السيوطي ، ٢ / ٢٠+ روح المعاني ، الآلوسي ، ٤ / ٢٣١+ مناهل العرفان ، الزرقاني ، ١ / ١٩.
(٢) ظ : الناسخ والمنسوخ ، هبة الله بن سلامة ، ٤+ الاتقان ، السيوطي ، ٢ / ٢٠+ معرفة الناسخ والمنسوخ+ ٢ / ١٤٩+ الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ، الحازمي ، ١٩.
(٣) ظ : إرشاد الفحول ، الشوكاني ، ١٧١+ مناهل العرفان ، الزرقاني ، ٢ / ٧٢+ علم أصول الفقه ، عبد الوهاب خلاف ، ٢٥١+ علوم القرآن والتفسير ، د. محسن عبد الحميد ، ٤١.
(٤) المائدة ، ١٠٥.