وذهب أكثر العلماء إلى ذلك ، فقد استفاضت الروايات من الفريقين : أن الآية المباركة لما نزلت لم يعمل بها سوى علي بن أبي طالب فكان له دينار فباعه بعشرة دراهم فكان كلما ناجى الرسول (صلىاللهعليهوآله) قدم درهما حتى ناجاه عشر مرات (١).
وبهذه الرواية نكون قد استقصينا وذكرنا كل ما نقل في كتب التفسير عن الإمام الباقر من روايات في الناسخ والمنسوخ بينت ما له من جهد فيه على الرغم من قلته ، غير أنه مثل من جهة أخرى انضمام الإمام الباقر للمذهب الثاني بشقه الأول من أن النسخ قد اقتصر على عدد قليل جدا من الآيات الكريمة ، وهذا مما يجعلنا نميل إلى القول بقلة وقوع النسخ في القرآن الكريم.
المبحث الثاني
جهوده في علم أسباب النزول وتوجيهه لها
أن معرفة أسباب النزول يعين كثيرا على فهم المراد من الآية أو الآيات النازلة بأسبابها ، فان العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ، وأنه لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها فبيان النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن (٢). إذن مفهوم سبب النزول هو : ما نزلت الآية أو الآيات من أجله مجيبة عنه أو حاكية له أو مبينة لحكمه بقيد زمن وقوعه (٣).
وقد جعل المفسرون علم أسباب النزول علما تطبيقيا ، فهو يأخذ معناه العام باعتبار أن سبب النزول له علاقة بالآية القرآنية المراد تفسيرها ، فسبب النزول عندهم هو لفهم المراد من الآية أو ما له علاقة باستنتاج الحكم.
وبالجملة يمكن تقسيم النزول عند العلماء إلى :
__________________
(١) جامع البيان ، الطبري ، ٢٨ / ١٥+ أسباب النزول ، الواحدي ، ٢٩٤ ـ ٢٩٥+ فتح القدير ، الشوكاني ، ٥ / ١٨٦+ مجمع البيان ، الطبرسي ، ٩ / ٢٥٣+ تفسير البرهان ، سيد هاشم البحراني ، ٢ / ١٠٩٩. وقد تعرض لنقل جملة منها محمد باقر المجلسي في المجلد التاسع من بحار الأنوار صفحة ١٧٠.
(٢) البرهان في علوم القرآن ، الزركشي ، ١ / ٢٢+ مقدمة في أصول التفسير ، ابن تيمية ، ٤٧+ الاتقان ، السيوطي ، ١ / ١٠٨.
(٣) مباحث في علوم القرآن ، د. صبحي الصالح ، ١٣٢.