أن الكلام تخييل لا يعبر عن واقع كما فعل المفرطون أيضا ، ودون صرف للألفاظ عن معانيها الوضعية إلى معان أخرى من غير صارف يمنع إجراء الكلام على ظاهره ، كما فعل أهل التأويل (١).
وأولى الإمام الباقر القصة القرآنية عنايته البالغة واهتمامه الشديد ، فإنك تشعر أن روايته القصصية تجعل المرء يعيش في أجواء الآيات القرآنية بانسيابية وهدوء دون أثر لدس اسرائيلي يشوه جمال النص القرآني أو يثلم كرامة الأنبياء (عليهمالسلام) ومكانتهم ، كما هو الحاصل في روايات من أخذ عن أهل الكتاب بدون تمحيص أو فحص ، ونجده أيضا يلتزم النهج النبوي في الاستشهاد بإخبار أهل الكتاب فيسمع ما لدى الناس من أخبارهم ثم يعرض ما سمعه على منهج الإسلام ، فما وافق النصوص أو تماشى مع الآيات والأحاديث من غير تضاد أو اضطراب حدث به أن كان يخدم النص القرآني ، ويوضح الجوانب الأخرى من القصة ويربط بين خيوطها ، ونلمس أيضا في رواياته تفرده بإظهار الجانب التربوي والأخلاقي من القصة القرآنية ويركز عليه لمكان العظة والعبرة ملتزما في إسهاماته هذه بالمنهج القرآني وكيفية تعامله مع القصص.
وكان الإمام الباقر يميل هنا إلى تفسير القرآن بالقرآن ولا يميل إلى الإكثار من القصص المفصلة للقصص القرآني لأن أكثرها إسرائيلية ، ومع ما ذكرناه من عدم ميله إلى الإكثار من تفسير القصة القرآنية بقصص أخرى فقد وجدنا له بعض التفسير القصصي ، وإليك تلك الجهود :
أولا : قصة الملكين هاروت وماروت
أخرج العياشي والطبرسي بإسناد صحيح عن محمد بن قيس قال : سمعت أبا جعفر الباقر وقد سأله عطاء ونحن بمكة عن هاروت وماروت ، فقال أبو جعفر : إن الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم وليلة يحفظون أعمال أهل أوساط الأرض ، فيكتبون أعمالهم ويعرجون بها إلى
__________________
(١) تفسير القرآن الكريم ، الأجزاء العشرة الأولى ، الشيخ محمود شلتوت ، ٥٠.