الكتاب ، ونلحظ أيضا تأثير الإمام في تأويل بعض الآيات في أقوال غيره من التابعين من أمثال سعيد وقتادة وعطاء وسفيان الثوري وغيرهم.
الحقيقة الثانية : إن هذه النماذج التي عرضناها تمثل الاتجاه المدافع عن الحقيقة القرآنية كما في قبالة تلك التيارات التي أرادت أن تخلق مجموعة من الفهم المضلل للقرآن الكريم ، لأن الفهم الصحيح لمسائل العقيدة لا بد أن يستند إلى القرآن الكريم وإلى قواعد العقل ولا بد له من إحالة المتشابه على المحكم ولا بد أن تكون مخلصة في مجابهتها لتيارات التمزق والفرقة ، ولقد كان الإمام الباقر علما بارزا كأحد أعلام هذه الأمة في تأصيل هذا المنهج وتعميم الأخذ به ، وقد ظهر ذلك واضحا من هذه الأمثلة والنماذج التي سقناها على سبيل المثال ، وإلا فإن إحصاءها والكشف عن مقاصدها وآثارها في مسيرة الفكر العربي الإسلامي يتطلب مني التوسع الكثير الذي لا تتسع له صفحات هذه الرسالة.
المبحث الثاني
النبوة والوحي
اتفقت المذاهب الإسلامية وهي تدرس نظرية المعرفة على عدم الاقتصار على المعارف العقلية وقرروا حاجة العقل الإنساني إلى ما يستعين به لتحديد الأعمال وتعيين الاعتقادات ، وذلك المعين أو المحدد هو النبي ووافقهم في ذلك كل الفلاسفة وجميع المؤمنين بالشرائع السماوية (١).
إن أحوال الكون ومراتب الأخلاق ويقينيات الآخرة لا يمكن للعقل البشري أن يصل إليها لوحده إلا بالاستعانة بما يحقق الاتصال بالله تعالى وهم الأنبياء ، قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢).
__________________
(١) أصول الدين الإسلامي ، د. قحطان الدوري ، ٢٠٠.
(٢) آل عمران / ١٦٤.