ومال ابن كثير إلى ما اختاره الطبري عند ما نقل عنه اختياره أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما عن مجاهد وغيره (١) ، وكذلك بالنسبة إلى ابن الجوزي فقد مال إلى أن العهد هو الإمامة بعد ما روى عن السدي أنها تعني النبوة (٢).
وعرض القرطبي أقوال العلماء في المسألة وجعل أولها ما رواه أبو صالح عن ابن عباس : أنها النبوة ، وبه قال السدي ومجاهد (٣). أي أن الظالم لا يكون نبيا حين تلبسه بالظلم قبل البعثة لأنه ينافي العصمة وهو تفسير الإمام الباقر كما تقدم غير أن القرطبي هنا عرض الأقوال بدون تصويب.
واختار الزمخشري القول بأن الإمامة هي العهد في هذه الآية وأن الله سبحانه وتعالى لا يجعل الظالم إماما ، بل يجب أن يكون عادلا بريئا ، منزها من الظلم وأطال في ضرب الأمثلة لذلك (٤).
يتبين مما تقدم من عرض أقوال العلماء في مسألة العصمة ومفهوم الاصطفاء أن منهم من ذهب إلى ما ذهب إليه الإمام الباقر ومنهم من خالفه ، رائد الجميع في ذلك هو التوصل لفهم مراد الله تعالى ضمن الإطار العام للفكر الإسلامي.
سادسا : في قوله تعالى : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)(٥) ، عن محمد بن مسلم وجابر الجعفي قالا : سئل الإمام أبو جعفر الباقر : أكان عيسى ابن مريم حين تكلم في المهد حجة لله على أهل زمانه؟ فقال : كان يومئذ نبيا حجة لله غير مرسل أما تسمع قوله حين قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) فقيل : فكان يومئذ حجة له على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال : كان عيسى (عليهالسلام) في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها وكان نبيا حجة على من أسمع كلامه في تلك الحال ثم صمت ولم يتكلم حتى مضت له سنتان وكان زكريا الحجة لله تعالى بعد صمت عيسى بسنتين ثم مات زكريا فورثه ابنه
__________________
(١) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.
(٢) زاد المسير ، ابن الجوزي ، ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي ، ٢ / ٩٧ ـ ١٠٠.
(٤) الكشاف ، الزمخشري ، ١ / ١٨٤.
(٥) مريم / ٣٠.