الأوان ، وما يكون ذلك إلا بمعاناة التوبة والإنابة والإقلاع عن شهوات النفس والهوى ليأمن التائب أخطارها الدنيوية والأخروية.
ولا تتحقق التوبة الصادقة النصوح إلا بيقضة الضمير وشعور المذنب بالندم على معصية الله وتعرضه لسخطه وعقابه ، وبالإنابة إلى الله تبارك وتعالى والتصميم على طاعته وعقد العزم على ترك عصيانه ، وبتصفية النفس من عوالق الذنوب وتلافي سيئاتها بالأعمال الصالحة الباعثة على زيادة الحسنات.
وللتوبة فضائل كثيرة ، صورها القرآن الكريم ، وأعربت عنها أحاديث النبي (صلىاللهعليهوآله) وقد أبت العناية الإلهية أن تترك العصاة تتخبط في ظلمات الذنوب دون أن يسعهم بعطفه الإلهي وعطفه الكريم ، ومهد لهم التوبة فقال سبحانه وتعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١) وقال تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(٢).
وروي عن الإمام الباقر (عليهالسلام) في التوبة وتجديدها عن محمد بن مسلم عنه أنه قال : يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب عنها مغفورة له ، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة ، أما والله إنها ليست إلا لأهل الأيمان ، قلت : فإن عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب ، وعاد في التوبة؟ فقال : يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر الله تعالى ثم لا يقبل الله توبته؟ قلت : فإن فعل ذلك مرارا يذنب ثم يتوب ويستغفر؟ فقال : كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة وإن الله غفور رحيم ، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ، فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله تعالى (٣).
وفي تفسيره لقوله تعالى : (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٤).
__________________
(١) الأنعام / ٥٤.
(٢) الزمر / ٥٣.
(٣) الوافي ، الفيض الكاشاني ، ٣ / ١٨٣.
(٤) المطففين / ١٤.