وكان الإمام ملما بأسباب النزول ، محيطا بأقوال المتقدمين من الصحابة والتابعين في معرفة الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ، متحريا لما نقل عنهم في تفسير القرآن الكريم ، فالإحاطة بهذه الأمور تكشف للمفسر معاني القرآن الكريم ومقاصده ، وتوصله إلى المعنى المراد لأن معرفة ضوابط التفسير وتطبيقها هي مما يجعل النص التفسيري مقبولا لدى المفسرين.
وقد تشدد الإمام الباقر (عليهالسلام) في تفسير القرآن الكريم حيث اعتبر التفسير المعتمد على الرأي والاستحسانات العقلية تفسيرا بعيدا عن المعنى المراد وقد يؤدي بصاحبه إلى الهلكة ، فلذلك نهى عنه فقد دخل عليه قتادة بن دعامة فقال له الإمام : أنت فقيه أهل البصرة؟ قال قتادة : هكذا يزعمون. قال الإمام : بلغني أنك تفسر القرآن ، قال قتادة نعم.
فأنكر عليه الإمام ذلك قائلا : يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به (١).
وعند تحليل هذا النص يتبين أن الإمام الباقر (عليهالسلام) قد حصر معرفة تفسير القرآن الكريم بالآخذ ممن خوطب به القرآن وهم : النبي (صلىاللهعليهوآله) والصحابة رضوان الله عليهم الذين شهدوا التنزيل ، فهم يعرفون المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ وليس عند غيرهم معرفة بذلك.
ثانيا : اهتمامه بالاستعمالات المجازية في القرآن ومعرفة معانيه
كان الاستعمال المجازي شائعا في كلام العرب ، ذائعا في كثير من جوانب الاستعمال كالإسناد المجازي والمجاز في اللفظة والعبارة ، ومنه أيضا الكنايات التي قيل إنها ابلغ من التصريح ويعتبر ذلك من لطائف هذه اللغة ومحاسنها.
وجاء في القرآن الكريم الكثير من الآيات المتضمنة للاستعمال المجازي ، وقد شارك الإمام الباقر (عليهالسلام) في إيضاحه وبيانه ، فمما ورد في القرآن الكريم قوله
__________________
(١) أعيان الشيعة ، محسن الأمين ، ق ٢ / ٤ / ١٠ ـ ١١+ سيرة الأئمة ، هاشم معروف الحسني ، ٢١٢ ـ ٢١٣.