ثالثا : قدرته وقابليته على استنباط المعاني للآيات
وهب الله سبحانه وتعالى الإمام الباقر (عليهالسلام) قدرة فائقة وقابلية واسعة في فهم كتاب الله ، وهذا مما لا ييسره سبحانه وتعالى لكل أحد بل هي موهبة منه ، وبها يبرز من يبرز من الرجال ، ويكون له مقام بين العلماء ، وقد اتضح ذلك من خلال ما قدمنا عنه في معرض الحديث عن مصادره في التفسير وبينا كيف يستنبط المعاني ويربط بين الآيات ويجمع الآيات التي تخص موضوعا بعينه بما يمثل تفسيرا موضوعيا للقرآن الكريم ، ويجيب سائليه على ما أشكل فيها ، وأحيانا يرفع التعارض الذي قد يحصل فيما بينها موضحا لهم لما اجمل منها ، موجها لأنظار المسلمين للتدبر فيها ، متخذا لبعض منها موعظة أخلاقية وإرشادا تربويا حتى فيما يتعلق بالقصص القرآني منها ، وما كان ذلك إلّا حصيلة الفهم الثاقب والرأي السديد من جهة ، وأخذه للعلم وتفسير القرآن الكريم عن آبائه الكرام من جهة أخرى مما فتح أمامه آفاق العلم فأشرقت في روحه أنواره وتجلت في قلبه صوره ، ساعد ذلك كله ذهن متوقد وذكاء بارع.
هذه أهم الأسباب التي أضفت مكانة مرموقة لأقواله وآرائه عند العلماء ، وقد زاد تفسيره قيمة أمر آخر هو :
ـ ترجيح المفسرين لآرائه أحيانا واعتمادهم عليها.
فقد كانت آراؤه وأقواله أحيانا مرجحة عند المفسرين ، وأحيانا أخرى يقدمونها على آراء غيره ، وهذا الترجيح لا يكون اعتباطا إنما هو ناتج من سير الإمام الباقر (عليهالسلام) على وفق القواعد والضوابط العامة التي اتفق المفسرون على الاعتماد عليها في تفسير القرآن الكريم وبالتالي ترجيح أو اعتماد آراء وأقوال من يسير عليها ، وسنذكر بعض الأمثلة عند التكلم على أقواله وآرائه المعارضة لغيره والتي انفرد بها.
ومن الجدير بالذكر إنني وجدت من خلال تتبعي لآرائه وأقواله في التفسير أن هناك بعض من المفسرين ينقلون أقواله بدون أن ينسبوها إليه ، وفي بعض الأحيان ينسبوها إلى ال (قيل) دون التصريح باسمه ، واغلب الظن أن تلك الآراء والأقوال