ثانيا : اهتمامه بالكلمة المفردة والسياق العام
يمكن أن نقسم مفسري الصحابة والتابعين في الاهتمام بالكلمة المفردة والسياق العام إلى فريقين : فأبي بن كعب رضي الله عنه وتلامذته انصب اهتمامه على المعنى العام للآية أو الآيات وسياق الكلمات ، وقل اهتمامهم بالكلمة المفردة ، وذلك لأن الكلمة المفردة غالبا ما يكون تفسيرها من قبيل المعرفة اللغوية للكلمة.
والفريق الثاني يمثله ابن عباس رضي الله عنه وتلامذته ، فقد كان اهتمامهم منصبا على الكلمة المفردة لأن الناس بحاجة إلى بيان الألفاظ اللغوية المفردة لأنها تساعد كثيرا على فهم الآية أو الآيات (١).
وقد اتخذ الإمام الباقر (عليهالسلام) محلا وسطا بين هذين الفريقين ، فنراه أحيانا يعطي المعنى اللغوي لبعض مفردات الآية ليسهل على الذي يسمع تفسيرها أن يفهمها ، وتبين ذلك من خلال كلامنا على رجوعه إلى اللغة في التفسير ، وأحيانا أخرى يعطي دلالة الآية العامة أو يبين وجه ارتباط الآيات بعضها لبعض ، أو يستخرج من الآيات معنى أو يستنبط منها حكما.
وذلك ما عرف عنه من ملاحظة السياق وتفسير القرآن بالقرآن مما هو ظاهر جدا في تفسيره ومما كون خصيصة واضحة في آرائه وأقواله.
والجدير بالذكر ، أن بعض الباحثين ذكر أن أول مدرسة اهتمت بالسياق الجملي أو العام هي مدرسة عبد الرحمن بن زيد بن اسلم (ت : ١٨٢ ه) (٢) ، في حين إننا وجدنا أن الإمام الباقر (عليهالسلام) قد سبقه بأكثر من نصف قرن وقد اهتم اهتماما بالغا به ، وقبلهما الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي الله عنه.
ومهما يكن من أمر ، فان الإمام الباقر (عليهالسلام) قد جمع بين الطريقتين ، ومزج بين المنهجين ، وذلك حسب ما يمليه عليه درسه في التفسير أو نوع السؤال الذي يوجه إليه.
__________________
(١) ظ : أبي بن كعب ومكانته بين مفسري الصحابة ، مشعان العيساوي ، رسالة دكتوراه ، ٤٢٨ ، مضروبة على الآلة الكاتبة ، ١٩٩٢ م
(٢) ظ : خصائص مدرسة ابن زيد ، أحمد الجنابي ، ٢٤.