وقد نقلنا في مكان آخر أقوال اكثر المفسرين وتصويباتهم في تفسير هذه الآية ورجحنا هناك قول الإمام الباقر (عليهالسلام) لما يعضده من آيات قرآنية يفيد ظاهرها المعنى الذي ذهب إليه.
ثانيا : الآراء التي انفرد بها في تفسيره عن غيره
هناك بعض الآيات التي قد فسرها الإمام الباقر (عليهالسلام) ، ولم نجد لغيره من صحابة وتابعين قولا فيها ، وقد يوافقه بعض المفسرين أو يخالفه ، وهذه بعض الأمثلة :
١ ـ في قوله تعالى : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)(١).
سئل الإمام الباقر (عليهالسلام) : أكان عيسى بن مريم حجة لله على أهل زمانه؟ فأجاب : كان يومئذ نبيا حجة لله غير مرسل أما تسمع لقوله تعالى حين قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) قيل : فكان يومئذ حجة لله على زكريا في تلك الحال وهو في المهد؟ فقال : كان عيسى (عليهالسلام) في تلك الحال آية للناس ورحمة من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها ، وكان نبيا حجة على من سمع كلامه في تلك الحال ، ثم صمت ولن يتكلم حتى مضت له سنتان وكان زكريا الحجة لله تعالى بعد صمت عيسى بسنتين ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير أما تسمع قوله (عزوجل) (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(٢) ، فلما بلغ عيسى (عليهالسلام) سبع سنين تكلم بالنبوة والرسالة حين أوحى الله إليه ، فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين (٣).
لم ينقل عن غير الإمام الباقر (عليهالسلام) هذا التفصيل في تفسير الآية وفي توضيح هذه المسألة ، عدا ما ذهب إليه سفيان الثوري فقال : معنى الآية يؤتيني الكتاب ويجعلني نبيا إذا بلغت (٤) ، وعن عكرمة قال : معنى الآية
__________________
(١) مريم / ٣٠.
(٢) مريم / ١٢.
(٣) الصافي في تفسير القرآن ، الفيض الكاشاني ، ٢ / ٤٣ ـ ٤٤.
(٤) تفسير القرآن الكريم ، سفيان الثوري ، ١٤٣.