* المطلب الثاني : صفاته في عبادته وسماته في أخلاقه :
أولا : عبادته في صلاته ومناجاته وحجه
كان الإمام الباقر (عليهالسلام) من أئمة المتقين وكبار العابدين في زمانه ، عرف الله تبارك وتعالى معرفة استوعبت نفسه وسيطرت على أعماق وجدانه فكان من أبرز العارفين ، أقبل على ربه بقلب منيب وأخلص في طاعته أعظم ما يكون الإخلاص ، متوجها في سرائه وضرائه إلى بارئه (عزوجل) ، متوكلا عليه في كل أعماله ، شأنه في ذلك شأن كل من أخلص لعبادة ربه وأظهر خالص وده وحبه لله تعالى لا تشوبه شائبة من طمع في جاه أو مال ، وكيف لا يكون كذلك وهو ابن علي بن الحسين الذي عدّ من أعاظم الزهاد والعباد حتى لقب بزين العابدين ، الذي كانت كل ذرة من جسده تنطق بتوحيد الله وتنزيهه وتسبيحه وتقديسه ، وقد تربى الإمام الباقر (عليهالسلام) في حجر هذا العابد الزاهد فكان نتاجا من نوع خاص ، فقد روى المؤرخون : أن الإمام أبا جعفر الباقر (عليهالسلام) كان إذا أقبل على الصلاة أو وقف يصلي ارتعدت فرائصه واصفر لونه (١). من خشيته لله تعالى وتعظيمه له وتلك هي ميزة العارف لما تكشف له من قدرة الباري (عزوجل) وقوته من جانب ، ومن جانب آخر إمعانا منه في إظهار شكره لله تعالى خالق الأكوان ومبدعها ومنظم الحياة وموهبها ، فكانت عبادة الإمام الباقر (عليهالسلام) هي عبادة المتقين والمنيبين في أروع صورها وأنقاها ، وكانت الصلاة هي خير ما يترجم الإمام بها تلك العبادة والإنابة.
فقد روى المؤرخون : أن الإمام أبا جعفر الباقر (عليهالسلام) كان يصلي مائة وخمسين ركعة في اليوم والليلة (٢) لا تشغله عنها مشاغل الحياة ، ولا الشئون العامة من الاهتمام بأمور المسلمين ومن إلقائه لدروسه في المسجد النبوي الشريف
__________________
(١) مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ / الورقة ٤٤+ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي ، ١٢٣.
(٢) تذكرة الخواص ، ابن الجوزي ، ١٩٠+ تاريخ ابن الوردي ، ١ / ٥٤٨+ تذكرة الحفاظ ، الذهبي ، ١ / ١٢٥+ حلية الأولياء ، الأصفهاني ، ٣ / ١٨٢+ تاريخ الإسلام ، الذهبي ، ٢ / ٣٠٠.