سادسا : وصيته لرجل من المسلمين
ومن وصاياه القصار فقد وفد عليه رجل من المسلمين وطلب منه أن يوصيه بوصية يسير على ضوئها ويهتدي بهديها ، فقال له الإمام الباقر : هيئ جهازك وقدم زادك ، وكن وصي نفسك (١).
صورت هذه الوصية على قصرها ما يحتاجه الإنسان ليسلم على دينه ويكون ضامنا للفوز بآخرته يوم لا ينفع مال ولا بنون ، بالقربة من الله زلفى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه بأن يهيئ أعماله الصالحات ليقدمها بين يدي ربه ، وأن يحاسب نفسه ويجعلها رقيبة عليه.
* المطلب الثاني : مواعظه :
كان الإمام الباقر (عليهالسلام) في مواعظه يحذر من الدنيا والركون إليها ، وينذر من الاغترار بها والعيش من أجلها ، ويدعو الناس إلى التفكر والتبصر فيما يصيرون إليه من مفارقة الدنيا إلى القبور المظلمة واللحود الموحشة التي لا ينفع فيها إلا ما ادخره الإنسان من الباقيات الصالحات.
فمن بعض مواعظه في هذا الباب قوله : أيها الناس إنكم في هذه الدنيا أغراض تنتقل فيكم المنايا ، لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله ، فأية أكلة ليس فيها غصص؟ أم أي شربة ليس فيها شرق؟ استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه ، فإن اليوم غنيمة وغدا لا تدري لمن هو ، أهل الدنيا في سفر يحلون عقد رحالهم في غيرها ، قد خلت منا أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد أصله.
أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم وأبعد آمالا؟ أتاك يا بن آدم ما لم ترده ، وذهب عنك ما لا يعود ، فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا ، ما لك منه إلا لذة تزدلف بها إلى حمامك ، وتقربك من أجلك ، فكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم ، فعليك بذات نفسك ودع ما سواها واستعن بالله يعنك (٢).
__________________
(١) مخطوطة تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ج ٥١ / الورقة ٣٨+ ربيع الأبرار ، الزمخشري ، ١ / ٣٨.
(٢) تحف العقول ، ابن شعبه الحراني ، ٢٩٩+ الكامل في الادب ، المبرد ، ١ / ١٢٧.