يتبين من هذه النصوص أن الإمام الباقر (عليهالسلام) كان يستنطق النص القرآني والسنة النبوية ، ويستشعر هديهما إذ أن أكثر ما روي عنه كان متضمنا في الغالب لمعنى مباشر من القرآن الكريم أو معنى غير مباشر من السنة الشريفة وذلك دأبه حتى عند ما يلقي دروسه في العرفان والأخلاق وهذا ما ستبينه المباحث الآتية من هذه الدراسة.
ثالثا : آفات العلم وعلاجها
حدد الإمام الباقر (عليهالسلام) بنظرة ثاقبة ما يصيب العلم من داء إذا استفحل أضاعه وأنهاه ألا وهو النسيان ، فقد روي أنه قال لكل شيء آفة وآفة العلم النسيان (١).
لم يعين الإمام هذه الآفة من دون أن يضع لها علاجا ، أو عدة أنواع من العلاج يمكن أن يكون في أول الأمر وقاية من هذا الداء الذي يعد في نظر العلماء من أفتك الأمراض التي تصيب العلم.
ومن تلك العلاجات التي وضعها الإمام هي مجالسة العلماء والأتقياء في قوله : لمجلس أجلسه إلى من أثق به أوثق في نفسي من عمل سنة (٢).
وهل يوصي الإمام بغير مجالسة العلماء في هذا النص إذ لا يمكن أن يتصور أنه يثق بغير هذه الشريحة الاجتماعية المرموقة من جهة وتلك المجالسات هي من أنفع العلاجات لمرض النسيان من جهة أخرى.
ودعا الإمام إلى المذاكرة في العلوم بوصفها علاجا آخر لهذا المرض الخطير لأنها تفتح آفاقا واسعة في ميدان المعارف والعلوم فتراه يقول : تذاكر العلم دراسة والدراسة صلاة (٣).
رابعا : آداب المتعلم
ولا بد للذي يروم تحصيل العلم بالتردد على مجالس العلماء أن يتأدب بآداب علمية خاصة يستطيع من خلالها أن يحصل على أكبر قدر ممكن من المعارف والمعلومات ، فوضع الإمام الباقر (عليهالسلام) برنامجا عمليا لآداب المتعلمين
__________________
(١) حلية الأولياء ، أبو نعيم الأصفهاني ، ٣ / ١٨٣.
(٢) أصول الكافي ، الكليني ، ١ / ٣٤.
(٣) المصدر نفسه ، ١ / ٤١.