قال أبو حنيفة : لو كنت حولت دين جدك بالقياس لكنت أمرت أن يغتسل من البول ، ويتوضأ من النطفة ، ولكن معاذ الله أن أحول دين جدك بالقياس.
فقام الإمام الباقر (عليهالسلام) وعانقه وقبل وجهه (١).
وعلّق الشيخ أبو زهرة على هذه المناقشة بالقول من هذا الخبر تتبين إمامة الباقر (عليهالسلام) للعلماء ، يحضرهم إليه ويحاسبهم على ما يبلغه عنهم أو يبدر منهم ، وكأنه الرئيس يحاكم مرءوسيه ليحملهم على الجادة ، وهم يقبلون طائعين تلك الرئاسة (٢).
وبهذا ينتهي بنا الحديث عما أثر عن الإمام الباقر (عليهالسلام) في فضل العلم وتكريم حملته وما ينبغي أن يتصفوا به من معالي الأخلاق ليكونوا قدوة للأمة ، وعن احترامه وحبه الشديد للعلم والعلماء دون سواهم.
المبحث الثاني
علومه ومعارفه
اتجه الإمام الباقر (عليهالسلام) لخدمة الإسلام في نشر تعاليمه وأحكامه وبسط علومه وما يتفرع منها ، وتكلم على جميع معارفه ، وألقى دروسه على تلاميذه ورواته في كل جزئيات العلوم الإسلامية فلا يكاد يعرف علما من العلوم إلا وللإمام الباقر (عليهالسلام) فيه رأي أو قول أو رواية.
وانهال عليه رجال العلم من التابعين يغترفون من علومه ومعارفه ، فحفظ أولئك العلماء للإمام الباقر (عليهالسلام) منزلته وعرفوا مقامه وما وهبه الله تعالى من علوم هم أحوج ما يكونون إليها.
ويمكننا أن ندرك مدى سعة علوم هذا الإمام الجليل من خلال معرفة جملة ممن تتلمذ عليه أو أخذ عنه أو روى له ، فقد أحصينا في الفصل الثالث من هذا الباب من روى عنه في علوم القرآن والتفسير فقط يقارب عددهم الستين بين من
__________________
(١) الإمام الصادق ، محمد أبو زهرة ، ٢٣.
(٢) المصدر نفسه الصفحة.