ثانيا : علم الفقه
يمثل فقه الإمام الباقر (عليهالسلام) امتدادا طبيعيا لفقه جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهالسلام) وكل الذي أخذ عن الإمام الباقر (عليهالسلام) وابنه الإمام الصادق من بعده كونه في محصلته النهائية فقها أثرى عالم التشريع الإسلامي سمي فيما بعد بفقه آل البيت.
ولقد تهيأت الظروف للإمام الباقر (عليهالسلام) بما لم تتهيأ لغيره من أئمة آل البيت وذلك ما رافق في سنيه من بوادر النقمة على الحكم الأموي وظهور النواة لثورة العباسيين عليهم مما جعل أولئك الحكام لم يعيروا اهتماما لما يقوم به الإمام الباقر (عليهالسلام) من نشر فقه أهل البيت بعد أن مضى على المسلمين أكثر من قرن من الزمن لا عهد لهم بفقه يختص بآل البيت.
ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن مميزات هذا الفقه أو نشوئه وبداياته أو مقارنته مع فقه باقي العلماء بقدر حديثنا عن جهود الإمام الباقر (عليهالسلام) في هذا الباب.
فقد جهد الإمام الباقر (عليهالسلام) وولده الصادق على نشر الفقه الإسلامي كغيرهم من أعلام هذه الأمة في وقت كان المجتمع الإسلامي غارقا في الأحداث السياسية ، فقام الإمام الباقر (عليهالسلام) بالدور البناء في نشر الفقه الإسلامي وبيان أحكام الشريعة التي قدم من خلالها هذا الإمام الجليل خدمة عظيمة للإسلام والمسلمين ، فحفلت موسوعات الفقه الإمامي خاصة مثل الحدائق الناظرة وجواهر الكلام ومستمسك العروة الوثقى وغيرها بالروايات الكثيرة التي أثرت عنه ، وإليها يرجع فقهاء الإمامية في استنباطهم للأحكام الشرعية وفي إصدارهم للفتوى.
وليس من المستطاع لي أو لغيري تدوين كل ما أثر عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليهالسلام) من المسائل الفقهية ، فإن ذلك يتطلب كتابة بحث أكاديمي منفرد ، فلذلك آثرت أن أعقد مبحثا مستقلا عن تفسيره لآيات الأحكام ما دام تفسيرها يتعلق ببعض ما سجل للإمام الباقر (عليهالسلام) من فقه امتاز به عن غيره من الفقهاء في عصره والعصور التي تلته ، وكذلك بالنسبة لعلم الكلام وجهود الإمام فيه بتوجيه أنظار الأمة الإسلامية إلى خطر الخوض بهذه القضايا على الرغم من أنه لم يترك مبحثا من مباحثه إلا وخاض فيه كما بيناه في مبحث مستقل أيضا.