ثالثا : علم أصول الفقه
إن علماء الإسلام عنوا عناية خاصة بعلم أصول الفقه ، وخاضوا غمار أبحاثه وأجهدوا قرائحهم في فسيح مجالاته إلى أن حددوا معالمه ، وسوروه بما يميزه من غيره ، وجعلوه أمرا قائما بذاته ، وغرضهم في ذلك الوصول إلى مقاصد المشرع الحكيم ، ومرامي شريعته الغراء ، وأوجه دلالة ألفاظ الكتاب الكريم وسنة النبي (صلىاللهعليهوآله) على المعاني المقصودة (١). لأن الاجتهاد عندهم يتوقف عليه فإنه لا يكون المجتهد قد حصل على ملكة الاجتهاد حتى يجتهد في بحوث هذا العلم (٢).
وكان أول من ألف في هذا العلم ـ ووصلنا تأليفه ـ هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى (٢٠٤ ه) حيث ألف رسالته فيه (٣) ، وذلك استجابة لطلب الحافظ عبد الرحمن بن المهدي البصري المتوفى سنة (١٩٨ ه) (٤).
وعن بدايات هذا العلم يقول عبد الوهاب خلاف : بدأ صغيرا كما يوجد كل مولود أول نشأته ثم تدرج في النمو ... بدأ منثورا مفرقا في خلال أحكام الفقه ، لأن كل مجتهد من الأئمة الأربعة وغيرهم كان يشير إلى دليل حكمه ووجه استدلاله به (٥).
ونحن نتكلم هنا على مشاركة الإمام الباقر (عليهالسلام) فيمن شارك من العلماء آنذاك في جعل ولادة هذا العلم ولادة طبيعية ناجحة ، فقد أرسى الإمام بعض قواعده من خلال الأحكام الفقهية التي أفتى بها وتنطوي على كثير من الأحكام الأصولية التي عرفت فيما بعد بالقواعد ، يقول أحد الباحثين المحدثين : إن أول من فتح بابه ـ أي باب علم الأصول ـ وفتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو
__________________
(١) ظ : التعارض والترجيح ، عبد اللطيف البرزنجي ، ٦.
(٢) كفاية الأصول ، الخراساني ، ٢ / ١٢٦.
(٣) أصول الفقه ، محمد الخضري بك ، ٤٦+ مقدمة الرسالة ، الشافعي ، ٥ ـ ١٤.
(٤) هو الحافظ ، الإمام ، العلم ، المقدم في الحديث والفقه ، قال الشافعي : ما رأيت له نظيرا في الدنيا ، ولد سنة (١٣٥ ه) ومات سنة (١٩٨ ه). ظ : الأعلام ، الزركلي ، ٤ / ١١٥+ مقدمتي الرسالة والأحكام ، الإمام الشافعي ، ٥ ـ ١٤.
(٥) علم أصول الفقه ، عبد الوهاب خلاف ، ١٧.