ونكتفي بهذا القدر للاستدلال على ما قدمناه من أن الإمام الباقر (عليهالسلام) قد شارك مشاركة فاعلة في تأسيس علم أصول الفقه وإرساء بعض قواعده ليتبين مدى سعة العلوم التي اضطلع بحملها ونشرها هذا الإمام الجليل.
رابعا : علم السيرة :
لم يكن الإمام الباقر (عليهالسلام) ليترك هذا العلم وهو البحث في سيرة جده رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بدون أن يخوض غماره ويدلو بدلوه فيه ، ويكفيه مشاركة أن محمد بن إسحاق بن يسار الذي كتب عنه ابن هشام السيرة النبوية كان من تلامذة الإمام الباقر (عليهالسلام) ورواته ، يقول ابن قتيبة (ت : ٢٧٦ ه) : كان محمد ـ يعني ابن إسحاق ـ أتى أبا جعفر محمد بن علي فكتب له المغازي فسمع منه أهل الكوفة ذلك (١).
ويكفي من أراد أن يكشف عن مدى اهتمام الإمام الباقر (عليهالسلام) بالسيرة أن يطلع على كتاب السيرة النبوية لابن هشام (٢) ، وكتاب السير والمغازي للواقدي (٣) ، ليطلع على ما كان للإمام الباقر (عليهالسلام) من أثر في تدوين السيرة النبوية وروايتها.
خامسا : مشاركة الإمام الباقر (عليهالسلام) في تعريب العملة في دار الإسلام
من المفاخر العربية الإسلامية التي اضطلع بها رجال هذه الأمة تحريرهم للنقد العربي الإسلامي من التبعية الأجنبية ، ولعلها أكبر مفخرة سجلها لهم التاريخ ، فقد كان العرب يتعاملون بالنقود الرومية والفارسية حتى ظهر الإسلام ، وافتتحوا البلدان وأسسوا الدولة الإسلامية المترامية الأطراف ، ففطن بعض الخلفاء إلى وجوب التمدن الحضاري وكان من أولى موجباته وأسسه التحرر بالعملة الإسلامية من التبعية ، وجعلها مستقلة بذاتها تماما وكانت هناك محاولات لعل أقدمها محاولة الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في سنة
__________________
(١) المعارف ، ابن قتيبة ، ٢١٥.
(٢) ظ : للتفاصيل : السيرة النبوية ، ابن هشام ، ١ / ٢٣٨ ، ٢ / ٣٣٢ ، ٤ / ١٤٠ ، ١٩٠ ، ٣١٣ وغيرها كنماذج.
(٣) ظ : للتفاصيل : السير والمغازي ، الواقدي ، ٢ / ١٠٨ ، ١٠٩ ، ٥ / ٢٤٥ ، ٢٤٩ وغيرها كنماذج.