قال : «وقد كان أكثر المحدّثين يعرفون صحيح الحديث من سقيمه وثقات النقلة من مجروحيهم ثم يعابون لقلّة الفقه ، فكان الفقهاء يقولون للمحدّثين : نحن الأطبّاء وأنتم الصيادلة ...» (١).
قال : «والآن فالغالب على المحدّثين السماع فحسب ، لا يعرفون صحابيا من تابعي ، ولا حديثا مقطوعا من موصول ، ولا صحّه إسناد من بطلانه ، وفرض مثل هؤلاء القبول ممّن يعلم ما جهلوه ...» (٢).
وبالجملة .. فإنّ هذا حال أهل الحديث .. إلّا القليل منهم .. الّذين نظروا في الأحاديث وبحثوا عن أحوالها على أساس النظر في المفاد والمدلول ، فجاء عنهم الطعن والقدح في أحاديث كثيرة حتى من الصحيحين .. لأنّ الحديث إذا عارض الكتاب أو خالف الضرورة من الدين أو العقل أو التاريخ يكذّب وإن صحّ سنده .. وقد أشرنا إلى هذه القاعدة المقرّرة من قبل ..
٢ ـ اختلاف أسباب الجرح والتعديل
إنّه قد اختلف القوم في أسباب الجرح والتعديل اختلافا فاحشا ، فربّ راو هو موثوق به عند البخاري ومجروح عند مسلم كعكرمة مولى ابن عبّاس ، أو موثوق عندهما ومجروح عند غيرهما ... كما ذكرنا ..
ويتلخّص : أنّ في أحاديث الصحيحين ما هو مطعون من جهة السند ، وما هو مطعون فيه من جهة دلالته على معنى تخالفه الضرورة من النقل أو العقل ، وما هو مطعون فيه من الجهتين .. وإليك نماذج من هذه الأنواع :
__________________
(١) المصدر نفسه : ٤٩.
(٢) آفة أصحاب الحديث : ٤٩.