فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مبانيّها لشعر أبي تمام ونفسه وطريقته ومذهبه في القريض؟
ألا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر؟
وكذلك حذفوا من شعر أبي نُواس شيئاً كثيراً لما ظهر لهم أنه ليس من الفاظه ولا من شعره ولم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة؟
وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماءً واحداً وأسلوباً واحداً كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية ، وكالقرآن العزيز أوله كأوسطه وأوسطه كآخره وكل سورة منه وكل آية مماثلة في المآخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور.
ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحاً لم يكن ذلك كذلك فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين عليهالسلام.
واعلم أن قائل هذا القول يطرق على نفسه مالا قبل له به ، لأنا متى فتحنا هذا الباب وسلطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو لم نثق بصحة كلام منقول عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أبداً وساغ لطاعن أن يطعن ويقول هذا الخبر منحول وهذا الكلام مصنوع ، وكذلك ما نقل عن أبي بكر وعمر من الكلام والخطب والمواعظ والأدب وغير ذلك ، وكل شيء جعله من الطاعن ـ يعني في خطب النهج ـ مستنداً له فيما ترويه عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الراشدين والصحابة والتابعين والشعراء والمترسلين