نَشْأَتُهُ في سامَرَّا :
قال السيّدُ العَلَويُّ في كتابه (هِبَة الدّينِ ص ٦ ـ ٧) : (وإذا كانَ حِجرُ الأُمّ مَدْرَسَةَ الأَخلاق (١) والتّثقيفِ الّذي عَليهِ مَدارُ عَرائزِ النّشأةِ الطّبيعيّة فالسّيّد هِبَةُ الدّين نَشأَ في حِجْرِ أُمٍّ صالِحةٍ عالِمَة وَهِيَ السيّدةُ في نَظَرِه ، الْفَضائِلَ وَالْخِلالَ الحَسَنَةَ وَالأخلاقَ العَرَبيّةَ وَالآدابَ الصّالِحةَ ، وَتُقوّمُ لَهْجَتَهُ ، وَتُثقّفُ أفْكارَه بِذِكْر التّوارِيخِ وَالقِصص الأخلاقيّةِ.
وَهكذا كان والِدُهُ الْحُسَينُ ... فإنَّهُ كانَ يَغرِسُ في مَدارِكه حُبَّ العُلُومِ والكَمالات (٢) بِذِكِرِ سَجايا الصّالِحينَ وَتَواريخِ النّوابغِ ، وَيَحُثُّهُ عَلى مُباراتِهِم ، وَيَجْتهدُ بِكُلِّ قُواهُ في تَوسِيعِ مَعارِفِهِ ، وَتَثْقِيفِ مَداركِهِ : مُمَهّداً لَهُ وسائلَ التّعليم وَالكِتابةٍ ، وَيَستَصْحِبُهُ إلى مَجالِسِ العُلَماءِ والأكابِرِ ، وَكانَ كَثِيرُونَ مِنهُم يَتَوَسَمُّونَ فِهِ آثارَ النُّبُوغِ وَيتَوَقّعُوْنَ مِنْهُ تَقدُّماً عَظيماً).
وَمَا إنْ شَبَّ عَنِ الطَّوْقِ ، وَبَلَغَ سِنَّ الآخْذِ وَالتّلقّي حَتّى بادَرَ والِدُهُ العلّامَةُ أعلى الله مَقامَه إلى تَعلِيمِهِ القِراءَةَ وَالكِتابَةَ على الطّريقَةِ الْمألُوفَةِ يَومَئِذٍ.
وَكَانَ ـ وَهُو في تِلْكَ السِنّ المُبَكّرَةِ ـ يَتّقِدُ ذَكاءً وَفِطْنَة، وَيَتَمَتَّعُ
__________________
(١) أَلَمَ في هذا المعنى بقولِ شاعر النّيلِ ، حافِظ إبراهيم (ت : ١٣٥١ هـ) :
وَالأُمُّ مَدرَسَةٌ إذا أعْدَدْتَها |
|
أعْدَدْتَ شَعْباً طَيّبَ الأعْراقِ |
(٢) وَعلى هذا كان طيّب الله تعالى ثراه مِصداقَ قولِ الشّاعر القديم :
وَيَنشأ ناشِئُ الفِتْيانِ مِنّا |
|
أعْدَدْتَ شَعْباً طَيّبَ الأعْراقِ |