فاجِعَةُ بَصَرِهِ :
قُدِّرَ لِسَيِّدنا المُعَظَّمِ أنْ يُمْنى بِفَقْدِ بَصَرِهِ وَهُو في أوْجِ نشاطِهِ ، وَذِرْوَةِ هِمَّتِهِ ، وَبالِغِ أشُدِّه ، لكِنَّه بَعْدَ أنْ يَئِسَ مِنْ عِلاجِ الأطِبّاءِ النّطّاسِيّين في مُحاولةِ استِعادَتِه ؛ أخْلَدَ إلى الرِّضا بِقضاء الله تعالى ، صابراً مُحْتَسِباً عَلى ما ابْتَلاهُ جَلَّتْ حِكْمَتُهُ وَعَزَّتْ مَشيئَتُهُ ، وَلئِنْ فَقَدَ بَصَرَهُ ؛ لنَفاذٌ (١) بَصِيْرَتِهِ نِعْمَ العِوَضُ وَخَيْرُ الخَلَفِ ، وإنَّ لِهذا الحَبْرِ (٢) البَحْرِ أًسْوَةً بِقَسِيْمِهِ في الشَّرَف الهاشِميّ ، وَرَصِيفِهِ في مَعْرِفَةِ فَنِّ التّأوِيْلِ وَفِقْهِ الدِّينِ وَتَرْجَمَةِ مَعاني الذِّكْرِ الحَكيم ؛ حَبْرِ الأُمَّةِ وَبَحْرِها وَتَرْجُمان القُرآنِ سَيِّدِنا : عَبْدِ اللهِ بن عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُما ، إذْ كانَ يَتَمَثَّلُ بَعْدَ فَقْدِهِ نُورَ عَيْنيهِ بِقَولِ القائِلِ :
إنْ يأخُذِ اللهُ مِنْ عَيْنَيَّ نُوْرُهُما
فَفِي فُؤادِيْ وَقَلْبي مِنهُما نُوْرُ
وَكانَ أوَّل عَوارِضِ هذهِ الفاجِعَةِ هُوَ إصابةُ عَيْنَيْهِ بمَرضِ الرَّمَدِ الصَدِيدِي في بِدايَةِ تَرؤُسِّهِ مَجْلِسَ التَمْييْزِ الجَعْفَرِيّ ، وَلَمْ تَتَحَسَّنْ عَيْناهُ عَلى الرَّغْمِ مِنْ اسْتِمْرارِ التَّداوِيْ ، مِمّا جَعَلَ عَدَداً من الأطِبّاءِ يُرَجّحُوْنَ إجْراءَ العَمَليّة ، وَتَعهّد بذلك الدكتور (طوبليان) المشهور آنذاكَ.
__________________
(١) إذا اجْتَمَعَ في جُمْلَةٍ واحِدَةٍ قَسَمُ وَشَرْطٌ فالجَوابُ للسّابِقِ مِنْهُما ، والسّابقُ هُنا الْقَسَمُ المُوَطّأُ لَهُ بـ(اللام) في (لَئِنْ) فالجوابُ لَهُ وَحِينَئذٍ لا يَقْتَرِنُ الجَوابُ فِيْهِ بالفاءِ ، فَلا يُقالُ في مِثلِ هذه الجُمْلَةِ وَلَئِنْ ... فَنفاذُ بَصِيْرَتِهِ ... الخ لكِنَّ النَّاسَ دابُوا على إقْحامِها في جَوابِ القَسَمِ.
(٢) بِكسْرِ الْحاءِ وَفَتْحِها ، وَالكَسْرُ أَفْصَحُ لكِنَّ الْفَتْحَ أشْهَرُ.