الشقشقية كما في نهج البلاغة :
أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ (١) ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى. يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَلاَ يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً ، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً ، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طِخْيَةٍ عَمْيَاءَ ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَيَكْدَحُ فِيهاَ مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى ، فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى ، وَفِي الْحَلْقِ شَجاً ، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً ، حَتَّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلاَنٍ بَعْدَهُ.
ثم تمثل بقول العشى :
شتان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيان أخي جابر |
فَيَا عَجَبا!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ. لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا َ ـ فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ ، يَغْلُظُ كُلاَمُهَا ، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا ، وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ [فِيهَا] وَالاعْتِذَارُ مِنْهَا ، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ ، وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ ، فَمُنِيَ النَّاسُ ـ لَعَمْرُ اللَّهِ ـ بِخَبْطٍ وَشِماسٍ ، وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ. فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ ، حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ. جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَا لِلَّهِ وَلِلشُّورَى! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنْهُمْ ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ
__________________
(١) كما وردت في شرح ابن أبي الحديد.