وتؤدّة وتثبّت ، نزلناه تنزيلا حسب الحوادث. فمن أجل تثبيت فؤاد الرسول ، ومن أجل قراءته على الناس على مكث وتؤدّة ، ومن أجل أن ينزل حسب الحوادث وجوابات السائلين نزل منجّما مفرّقا في ثلاث وعشرين سنة.
وكان القرآن ينزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيأمر بحفظه في الصّدور ، وكتابته في الرّقاع ، من جلد أو ورق أو كاغد ، وفي الأكتاف والعسب واللّخاف ، أي على العظم العريض وعسب النّخل والحجارة الرقيقة ، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه ؛ لمّا أمّره أبو بكر الصديق رضي الله عنه في جمع المصحف ، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللّخاف وصدور الرجال (١).
وكان إذا نزلت الآيات أمر بوضعها موضعها من السّورة فيقول ألحقوا هذه الآية في سورة كذا بعد آية كذا ، فيضعونها موضعها من السورة. قال ابن حجر العسقلاني : وأوضح من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وصححه الحاكم وغيره حديث ابن عباس عن عثمان رضي الله عنهم جميعا قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم ينزل عليه الآيات فيقول : [ضعوها في السّورة الّتي يذكر فيها كذا](٢) وهكذا حتى نزل القرآن كله والتحق الرسول صلىاللهعليهوسلم بالرفيق الأعلى بعد أن كمل نزول القرآن. ولذلك كان ترتيب آيات كلّ سورة على ما هي عليه الآن في المصحف توقيفا من النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن جبريل عليهالسلام عن الله تعالى فهو ترتيب توقيفي من الله تعالى.
وعلى ذلك وكما قرأ بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم نقلته الأمة ولا خلاف في ذلك مطلقا. وهذا الترتيب للآيات في سورها على الشكل الذي نراه الآن ، هو نفسه الذي أمر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو نفسه الذي كان مكتوبا بالرّقاع والأكتاف والعسب واللّخاف ومحفوظا في الصّدور. وعليه فإن ترتيب الآيات في سورها قطعيّ أنه توقيفي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، عن جبريل عليهالسلام ، عن الله سبحانه تعالى.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح : كتاب فضائل القرآن : باب جمع القرآن : الحديث (٤٩٨٦) وكتاب التفسير : باب لقد جاءكم رسول : الحديث (٤٦٧٩). والترمذي في الجامع الصحيح : أبواب تفسير القرآن : الحديث (٣١٠٣). والامام أحمد في المسند : ج ١ ص ١٠ وج ٥ ص ١٨٨.
(٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري : ج ٩ ص ١٠ : شرح الحديث (٤٩٨٣).