روي من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال : قام عمر فقال : من كان تلقّى من رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا من القرآن فليأت به ، وكانوا يكتبون ذلك في الصّحف والألواح والعسب ، قال : وكان لا يقبل من أحد شيئا حتّى يشهد شاهدان (١).
قال ابن حجر : (هذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرّد وجدانه مكتوبا حتى يشهد من تلقّاه سماعا مع كون زيد كان يحفظه وكان يفعل ذلك مبالغة بالأحتياط) (٢).
فالجمع لم يكن إلّا جمع الصّحف التي كتبت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كتاب واحد بين دفّتين ، فقد كان القرآن مكتوبا في الصّحف ، لكن كانت مفرّقة فجمعها أبو بكر في مكان واحد. وعلى ذلك لم يكن أمر أبي بكر في جمع القرآن أمرا بكتابته في مصحف واحد بل أمرا بجمع الصّحف التي كتبت بين يدي الرسول صلىاللهعليهوسلم مع بعضها في مكان واحد والتأكّد من أنّها هي بذاتها بتأييدها بشهادة شاهدين على أنّها كتبت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأن تكون مكتوبة مع الصحابة ومحفوظة من قبلهم. وظلّت هذه الصّحف محفوظة عند أبي بكر حياته ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر أمّ المؤمنين حسب وصيّة عمر.
ومن هذا يتبين أن جمع أبي بكر للقرآن إنما كان جمعا للصّحف التي كتبت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وليس جمعا للقرآن وإنّ الحفظ إنّما كان لهذه الصّحف أي للرّقاع التي كتبت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وليس حفظا للقرآن. ولم يكن جمع الرّقاع والمحافظة عليها إلّا من قبيل الاحتياط والمبالغة في تحرّي الحفظ لعين ما نقل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. أما القرآن نفسه فإنه كان محفوظا في صدور الصحابة ومجموعا في حفظهم ، والاعتماد في الحفظ كان على جمهرتهم لأن الذين كانوا يحفظونه كليّا وجزئيا كثيرون.
هذا بالنسبة لجمع أبي بكر ، أما بالنسبة لجمع عثمان فإنه في السّنة الثالثة أو الثانية من خلافة عثمان ، أي في سنة خمس وعشرين للهجرة قدم حذيفة ابن اليمان
__________________
(١) أخرجه ابن أبي داود السجستاني في كتاب المصاحف : ص ١٧.
(٢) قاله ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري : ج ٩ ص ١٧.