وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك. ومنهم شيخه أبو ذرّ الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء أفريقية وغيرها ، واحتجّ بعضهم بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شيبة من طريق مجاهد عن عوف بن عبد الله قال : [ما مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى كتب وقرأ] قال مجاهد : ذكرته للشعبي فقال : صدق قد سمعت من يذكر ذلك ومن طريق يونس بن ميسرة عن أبي كبشة السّلولي عن سهل ابن الحنظلية : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة ، فقال عيينة : أتراني أذهب بصحيفة المتلمّس؟ فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصحيفة فنظر فيها فقال : [قد كتب لك بما أمر لك] قال يونس : فترى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتب بعدما أنزل عليه.
قلت : وهذا فيه نظر :
١. إن أحاديث عوف بن عبد الله والشعبي وسهل بن الحنظلية ؛ لا تصحّ ، قال القرطبي : قال ابن عطية : وهذا كله ضعيف ، وقول الباجي منه (١).
٢. أما حديث مسلم فهو بما وقع في الصحيح من حديث البراء أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لعلي : [أكتب الشّرط الّذي بيننا بسم الله الرّحمن الرّحيم ، هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله] فقال المشركون : لو نعلم أنّك رسول الله تابعناك ، ولكن اكتب محمّد بن عبد الله. فأمر عليّا أن يمحاها! فقال عليّ : لا والله لا أمحاها. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أرني مكانها فأراه مكانها فمحاها وكتب ابن عبد الله](٢). فأخذ بعض العلماء بظاهر النص ، وأوّلوا الآية من سورة (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ)(٣) ، وفهموا نصّا عند البخاري فيه ؛ [فأخذ رسول الله الكتاب فكتب ، وليس يحسن يكتب](٤). وليس كما تأوّلوا أو فهموا ؛ من وجوه :
الأوّل : قول الراوي [فكتب] حكاية عن أمره للكاتب أن يكتب ، أي فيه حذف
__________________
(١) ينظر : مجمع الزوائد للهيثمي : ج ٨ ص ٢٧١.
(٢) كتاب الجهاد والسير : باب صلح الحديبية : الحديث (٩٢ / ١٧٨٣).
(٣) العنكبوت / ٤٨.
(٤) ينظر : صحيح البخاري : كتاب المغازي : باب عمرة القضاء : الحديث (٤٢٥١).