لزم أن يستعمل الحروف المتباعدة وضعها في المعنى الذي يليق بها ولا يؤدّي المعنى غيرها مثل كلمة (ضِيزى)(١) فإنه لا ينفع مكانها كلمة ظالمة ولا جائرة مع أنّ المعنى واحد. ومع هذه الدقة في الاستعمال ، فإن الحرف الذي يجعله لازمة يرد في الآيات واضحا في التردّد ، فآية الكرسي مثلا تردّدت اللام فيها ثلاثا وعشرين مرة بشكل محبّب يؤثّر على الأذن حتى ترهف للسّماع وللاستزادة من هذا السّماع.
وهكذا تجد القرآن طرازا خاصا ، وتجده ينزل كلّ معنى من المعاني في اللفظ الذي يليق به ، والألفاظ التي حوله ، والمعاني التي معه ، ولا تجد ذلك يتخلّف في أيّة آية من آياته. فكان إعجازه واضحا في أسلوبه من حيث كونه طرازا خاصا من القول لا يشبه كلام البشر ولا يشبهه كلام البشر. ومن حيث إنزال المعاني في الألفاظ والجمل اللائقة بها ، ومن حيث وقع ألفاظه على أسماع من يدرك بلاغتها ويتعمق في معانيها فيخشع حتى يكاد يسجد لها ، وعلى أسماع من لا يدرك ذلك فيأسره جرس هذه الألفاظ في نسق معجز يخشع له السامع قسرا ولو لم يدرك معانيه. ولذلك كان معجزة وسيظل معجزة حتى قيام السّاعة.
التفسير والتّأويل :
التّفسير تفعيل من الفسر وهو البيان ، تقول فسرت الشّيء بالتخفيف أفسّره فسرا ، وفسّرته بالتشديد أفسّره تفسيرا إذا بيّنته. والفرق بين التفسير والتأويل أن التفسير هو بيان المراد باللفظ ، والتأويل هو بيان المراد بالمعنى. وقد اختصّت كلمة التفسير عند الإطلاق ببيان آيات القرآن ، وكلمة التأويل بتوجيه الفهم إلى العمل وأداءه في الفعل على الوجه المقصود شرعا.
قال تعالى : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)(٢) والتفسير هو التفصيل بالمثال وما يقرّب المعنى إلى الأذهان ؛ بإظهار المعنى المعقول على قصد مراد الشّارع بما يزيل الإيهام الذي ربما علق في أذهانهم عند ما سمعوا الخطاب ؛
__________________
(١) النجم / ٢٢.
(٢) الفرقان / ٣٣.