أسلوب المفسّرين في التفسير :
فسّر الصحابة آيات من القرآن الكريم إما اجتهادا منهم في التفسير أو سماعا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وشرحوا في كثير من الأحيان أسباب نزول الآية ، وفيمن نزلت.
وكانوا يقتصرون في تفسير الآية على توضيح المعنى اللغوي الذي فهموه من الآية بأخصر لفظ ، مثل قولهم (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) أي غير متعرّض لمعصية (١). ومثل قولهم في قوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) : كان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم خروجا أخذ قدحا فقال (٢) : هذا يأمر بالخروج فإن خرج فهو مصيب في سفره خيرا ، ويأخذ قدحا آخر فيقول هذا يأمر بالمكوث فليس يصيب في سفره خيرا ، والمنيح بينهما (٣). فنهى الله عن ذلك.
فإن زادوا عن ذلك شيئا فما روي عن سبب نزول الآية وفيمن نزلت. مثل ذلك ما روي عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) قال : إلى مكّة (٤). وعن أبي هريرة في قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) قال نزلت في رسول الله
__________________
(١) المائدة / ٣. الجنف : الميل ؛ والإثم والمعصية والحرام ، ومعناه عند اضطراره في المخمصة لا يبعد عن سدّ الرّمق ، فلا يميل لحرام متلذّذا به متجاوزا حدّ الرخصة ، قال القرطبي ؛ (أي غير مائل لحرام ، ومنه قول عمر : ما تجانفنا فيه لإثم) وذلك كان قد أفطر الناس في رمضان ثم ظهرت الشمس فقال : نقضيه ما تجانفنا فيه لإثم ، أي ما ملنا ولا تعمّدنا ونحن نعلمه ، وكلّ مائل متجانف وجنف. انتهى بتصرف وقال النسفيّ : غير مائل لإثم أي غير متجاوز لسدّ الرمق. وقال البيضاوي : غير مائل له ومنحرف إليه بأن يأكلها متلذّذا أو مجاوزا حدّ الرخصة. إنتهى. ينظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ج ٦ ص ٦٤ ، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي : ج ١ ص ٢٥٤ ، ومدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي : ج ١ ص ٢٧٠.
(٢) المائدة / ٣. ينظر : أنوار التنزيل وأسرار التأويل : ج ١ ص ٢٥٤. ومدارك التنزيل وحقائق التأويل : ج ١ ص ٢٧٠. والجامع لأحكام القرآن : ج ٦ ص ٥٨ وما بعدها.
(٣) المنيح في اللغة من التّناوح : أي التّقابل ومنه سمّيت النوائح لتقابلهنّ. وكل أمر وسط لأن شأنه وقع بين اثنين فتعادلا به ، ومنه كل اسم على ثلاثة أحرف أوسطه ساكن ك (لوط) ، لأن خفّته عادلت أحد الثّقلين. ينظر : مختار الصحاح للرازي : ص ٦٨٤.
(٤) القصص / ٨٥. والتفسير رواه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٧٧٣).