ثم أخذ المؤلفون في أوائل العصر العباسيّ وأواخر العصر الأموي ، أي في أوائل القرن الثاني للهجرة يجمعون الأحاديث المتشابهة المتعلّقة في موضوع واحد ويفصلونها عن غيرها. ففصلت المعارف التي يتضمّنها الحديث من تفسير وفقه عن بعضها ، ونشأ من العلوم ما نشأ من حديث وسيرة ، وفقه ، وتفسير ، فكان علم التفسير ، وأصبح علما مستقلا يدرس وحده.
إلّا أن التفاسير في أوّل أمرها لم تتّخذ شكلا منظّما بأن تذكر آيات القرآن مرتّبة كترتيب المصحف ثم تتبع بتفسيرها ، بل كانت التفاسير تروى منثورة هنا وهناك ، تفسيرا لآيات متفرّقة كما هو الشأن في الحديث ، وظلّ الحال كذلك إلى أن تم انفصال التفسير عن الحديث وصار علما قائما بنفسه ، ووضع التفسير لكلّ آية من القرآن أو جزء من آية مرتّبة هذه الآيات حسب ترتيب المصحف.
وأوّل من تعرّض لتفسير القرآن آية آية وفسّرها على التتابع هو الفرّاء المتوفى سنة ٢٠٧ هجرية. فقد روى ابن النديم في كتابه الفهرست قال (إن عمر بن بكير كتب إلى الفرّاء أن الحسن بن سهل ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب ، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا ، أو تجعل في ذلك كتابا أرجع إليه فعلت ، فقال الفرّاء لأصحابه اجتمعوا حتى أملّ عليكم كتابا في القرآن ، وجعل لهم يوما ، فلما حضروا خرج إليهم ، وكان في المسجد رجل يؤذّن ويقرأ بالناس في الصلاة ، فالتفت إليه الفرّاء فقال له : إقرأ بفاتحة الكتاب نفسّرها ثم نوفّي الكتاب كلّه ، فقرأ الرجل وفسّر الفراء فقال أبو العباس : لم يعمل أحد قبله مثله ولا أحسب أن أحدا يزيد عليه).
ثم جاء بعده ابن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هجرية فكتب تفسيره المشهور. وقد اشتهر قبل تفسير ابن جرير جملة من التفاسير ، منها تفسير ابن جريج. وكان شأنه شأن المحدّثين الأولين يجمعون ما وصلوا إليه من غير فرق بين الصحيح وغير الصحيح ، وقد ذكروا (أن ابن جريج لم يقصد الصحّة وإنما روى ما ذكر في كلّ آية من الصحيح والسقيم). ومنها تفسير السّدّيّ المتوفى سنة ١٢٧ هجرية ، ومنها تفسير مقاتل المتوفى سنة ١٥٠ هجرية ، وقد قال عبد الله بن المبارك عن تفسير مقاتل