وجه ثالث في موضع آخر وهكذا ... ولا تجد تعبيرا حوّل عن وضعه الأصلي كتقديم الخبر على المبتدأ ، وكتأكيد الخبر ، وكالإكتفاء بذكر البعض عن البعض الآخر مما يذكر عادة ، وغير ذلك ، إلا وجدت لهذا نكتة بلاغية كانت لإيجاد معنى يخدم المعاني المطلقة التي تتضمّنها الألفاظ والعبارات في الآية.
هذا من حيث أسس الكلام في اللغة العربية من حيث هي ألفاظ دالة على معان ، ومن حيث أسس الكلام في القرآن من حيث هي ألفاظ دالّة على معان ، سواء أكانت من حيث النظرة إلى المفردات في تراكيبها ، أو من حيث التراكيب جملة.
أمّا من حيث التّصرّف في المفردات وهي في تراكيبها ، أو التصرف في التراكيب ، فإن القرآن سائر فيها على معهود العرب الذين نزل القرآن بلسانهم. ومع إعجاز القرآن للعرب ، فإنه لم يحصل فيه العدول عن العرف المستمر لهم في التصرّف بالقول ، وواقعه من هذه الجهة هو عينه واقع معهود العرب في ذلك. وبالرجوع إلى واقع معهود العرب نجد أن العرب لا ترى الألفاظ حتميّة الالتزام حين يكون المقصود المحافظة على معنى التراكيب ، وإن كانت تراعيها. وكذلك لا ترى جواز العدول عن الألفاظ بحال من الأحوال بل تلتزمها حين يكون المقصود أداء المعاني التي تقتضي الدقّة في أدائها التزام اللفظ الذي يكون أداؤها به أكمل وأدقّ ، فليس أحد الأمرين عندهم بملتزم ، بل قد تبنى المعاني على التركيب وحده مع عدم الالتزام بالألفاظ ، وقد تبنى المعاني على الألفاظ. في التركيب. فمن شأن العرب الاستغناء ببعض الألفاظ عما يرادفها أو يقاربها إذا كان المعنى المقصود على استقامته ، فقد حكى ابن جني عن عيسى بن عمر قال : سمعت ذا الرّمّة ينشد :
وظاهر لها من يابس الشخت واستعن |
|
عليها الصبا واجعل يديك لها سترا (١) |
_________________
(١) الخصائص لابن جني : باب في إيراد المعنى المراد بغير اللفظ المعتاد : ج ٢ ص ٤٦٧.