مع أنها تتحرك وتدور ، وجعل السماء كالقبة تظلّهم بالخير والبركة ، وهي بناء محكم مع ما فيها من ملايين النجوم والكواكب ، وعوالم الأفلاك والأجرام السماوية ، لا يسقط منها شيء ، ولا يختلّ لها نظام ، وأنزل الله لخير العباد في صحتهم وزراعتهم ماء مباركا طيّبا ينبت به لهم الكلأ والزرع والشجر ، ويغسل الجو من الغبار والجراثيم ، فإله خالق هذا شأنه ، ومنعم متفضل هذا ديدنه ، هو المستحق للعبادة والخضوع والانقياد له ؛ لأنه مصدر الخلق والتكوين والرزق.
قال الله تعالى دالّا على ألوهيّته : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً (١) وَالسَّماءَ بِناءً (٢) وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً (٣) وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)) [البقرة : ٢ / ٢١ ـ ٢٢].
ثم أثبت الله صحة رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم بما أنزل الله عليه من معجزة القرآن ، وأن القرآن معجز ، وأنه من عند الله ، ودليل إعجازه : أن الله تحدى العرب الذين نزل بلغتهم أن يأتوا بسورة تماثله في البلاغة والفصاحة ، ومتانة التشريع الصالح لكل زمان ومكان ، ومطابقته لمكتشفات العلوم المختلفة ، وإخباره بالمغيبات في الماضي والمستقبل. فإذا شك إنسان في أن القرآن ليس من كلام الله فليأت بمثله ، والقرآن كلام عربي من جنس ما يتكلم به العرب في خطبهم وأشعارهم وكلامهم العادي ، وهم فرسان البلاغة والفصاحة ، وأعلام البيان. وإذا عجزوا عن الإتيان بمثل سورة من القرآن ، وهم عاجزون إلى الأبد ، فليرجعوا إلى الحق ، وليؤمنوا بمحمد وبما أنزل الله عليه من القرآن ، وفي ذلك وقاية لهم من النار. قال الله تعالى مبيّنا إعجاز القرآن وإثبات رسالة النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم :
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ
__________________
(١) بساطا للاستقرار عليها.
(٢) سقفا مرفوعا.
(٣) أمثالا من الآلهة تعبدونها.