أعلم من المصلحة في استخلافه ما هو خفي عنكم ، وأعلم كيف تصلح الأرض وكيف تعمر ، ومن هو أصلح لعمارتها.
وعلّم الله آدم أسماء الأشياء والأجناس المادية ، من نبات وجماد وإنسان وحيوان ، مما تعمر به الدنيا ، ثم عرض مجموع المسميات على الملائكة ، أو عرض نماذج منها ، لقوله (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) لأن العرض لا يصح في الأسماء. وقال لهم : أخبروني بأسماء هؤلاء ، إن كنتم صادقين في ادّعائكم أنكم أحقّ بالخلافة من غيركم ، فعجزوا ، وقالوا : يا ربّ سبحانك ، لا علم لنا إلا ما علّمتنا ، إنك أنت العليم بكل شيء ، الحكيم في كل صنع وتدبير.
وهذا يدلّ على تفضيل آدم على الملائكة واصطفائه ، بتعليمه ما لم تعلمه الملائكة ، فلا يكون لهم فخر عليه.
ثم طلب الله من آدم ، عليهالسلام ، بقوله : أخبرهم يا آدم بأسماء الأشياء التي عجزوا عن علمها ، واعترفوا بقصورهم عن معرفتها ، فلما أخبرهم بكل الأسماء ، أدركوا السّرّ في خلافة آدم وذرّيته ، وأنهم لا يصلحون للاشتغال بالماديات ، والدنيا لا تقوم إلا بها ، فإنهم خلقوا من نور ، وآدم من طين ، والمادة جزء منه.
وحينئذ قال الله تعالى للملائكة : ألم أقل لكم : إني أعلم ما غاب في السموات والأرض عنكم ، وما حضر أيضا ، ولا أجعل الخليفة الأرضية عبثا ، وأعلم ما ظهر وما بطن ، وأعلم بما تظهرون وما تكتمون في صدوركم.
واذكر أيضا أيها النّبي لقومك حين قلنا للملائكة الأطهار : اسجدوا لآدم سجود خضوع وتحية ، لا سجود عبادة وتأليه ، كما يفعل الكفار مع أصنامهم ، فسجد الملائكة جميعا له غير إبليس ، فإنه امتنع من السجود وتكبر عنه قائلا : أأسجد له ،