ودعوة القرآن إلى الدين الحق كالدعوة إلى مأدبة فاخرة ، أخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : «خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما فقال : إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي ، وميكائيل عند رجلي ، يقول أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا ، فقال : اسمع سمعت أذنك ، واعقل عقل قلبك ، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتّخذ دارا ، ثم بنى فيها بيتا ، ثم جعل فيها مأدبة ، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه ، فمنهم من أجاب الرسول ، ومنهم من تركه ، فالله الملك ، والدّار الإسلام ، والبيت الجنّة ، وأنت يا محمد الرّسول ، من أجابك دخل الإسلام ، ومن دخل الإسلام دخل الجنّة ، ومن دخل الجنّة أكل منها».
والسبب في دعوة القرآن إلى الإسلام هو مراعاة مصلحة المدعوين ، فإن للذين أحسنوا العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح : المثوبة الحسنى في الدار الآخرة ، ولهم أيضا زيادة وهي النظر إلى وجه الله عزوجل. ولا يغشى وجوه أهل الجنّة شيء مما يغشى وجوه الكفرة من الغبرة التي فيها السواد ، والهوان والصغار : (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) والقتر : الغبار المسودّ. أولئك هم مستحقّو الجنّة وأصحابها حقّا ووجوبا ، ويقيمون فيها على الدوام من غير زوال ، وهذا على جهة المدح لهم والتشريف.
وفي مقابل هؤلاء صنف آخر وهم الأشقياء الذين اقترفوا السّيئات وارتكبوا المنكرات من الكفر والشّرك والظّلم ، فلهم جزاء عادل سيّئة مثل سيّئتهم ، أي جزاء مناسب لمعاصيهم ، وتعمّ السّيئات هنا الكفر والمعاصي ، فسيّئة الكفر التّخليد في النار ، وسيّئة المعاصي مرجع الجزاء فيها إلى الله تعالى ، وتحيط بالكافرين والعاصين مذلّة وهو ان لا يعصمهم أحد من سخط الله وعذابه ، كأنما ألبست وجوههم أغشية من سواد الليل المظلم ، لفرط سوادها وظلمتها ، أولئك المتّصفون بتلك الصفات هم