أن تكون من أهل الصلاح والإصلاح الذين يفصلون في خصومات الناس بالحسنى والحكمة ، والموضوعية ، والرّوية ، حتى ولو كان أحد الخصوم من ذوي القربى أو العشيرة.
فأنفذ فرعون إلى موسى من يطلبه من جنده ، ويأتي به للقتل ، فخرج موسى إلى الطريق الأعظم ، أي الشارع العام ، فجاءه رجل ، يسرع في مشيه ، يقال : إنه مؤمن آل فرعون ، ويقال : إنه غيره ، في إحدى الطرق الصغيرة ، المتشعبة من الطرق الكبيرة ، ليصل بسرعة إلى موسى عليهالسلام ، وليخفي أمره ، حتى لا يعرف أحد أنه يريد إبلاغ موسى بالخبر ، وقد جاء هذا الرجل الناصح من أبعد مكان في المدينة ، فقال : يا موسى ، إن فرعون وملأه : أشراف دولته وكبار حاشيته ، يتآمرون ويتشاورون في أمرك ، وتدبير مكيدة أو مؤامرة قتلك ، فاخرج بسرعة من البلد ، إني لك ناصح أمين.
فخرج موسى عليهالسلام من مدينة فرعون خائفا على نفسه ، يتلفّت ويترقّب متابعة أحد له ، وأفلت من القوم ، فلم يجدوه ، وخرج في حال فزعه إلى طريق مدين ، وهي مدينة قوم شعيب عليهالسلام ، وكان موسى عليهالسلام لا يعرف ذلك الطريق ، ولم يصحب أحدا ، فسار واثقا بالله تعالى ، ومتوكّلا عليه ، وقال في هذه المحنة العصيبة : يا ربّ ، نجني من هؤلاء القوم الظالمين : فرعون وملئه ، واحمني من شرّهم وسوئهم ، فاستجاب الله دعاءه ونجاه ؛ ووصل إلى مدين آمنا على نفسه ، بفضل الله وإحسانه ، كما جاء في آية أخرى : (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) [طه : ٢٠ / ٤٠].
وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام ، وكان ملك مدين لغير فرعون ، قال السّدّي ومقاتل : روي أن الله تعالى بعث إلى موسى جبريل عليهالسلام ، وقيل : ملكا غيره ،