استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا. وأكثر ما يكبّ الناس على مناخرهم في النار حصائد ألسنتهم ، وكل ما يتلفظ به اللسان فإما أن يكون مما يرضي الله ورسوله أولا ، فإن كان كذلك فهو الراجح ، وإن لم يكن كذلك فهو المرجوح. وهذا بخلاف حركات سائر الجوارح ، فإن صاحبها ينتفع بتحريكها في المباح المستوي الطرفين ، لما له في ذلك من الراحة والمنفعة ، فأبيح له استعمالها فيما فيه منفعة له ، ولا مضرة عليه فيه في الآخرة ، وأما حركة اللسان بما لا ينتفع به فلا يكون إلا مضرة. فتأمله.
فإن قيل : فقد يتحرك بما فيه منفعة دنيوية مباحة مستوية الطرفين. فيكون حكم حركته حكم ذلك الفعل.
قيل : حركته بها عند الحاجة إليها راجحة ، وعند عدم الحاجة إليها مرجوحة لا تفيده. فتكون عليه لا له.
فإن قيل : فإذا كان الفعل متساوي الطرفين كانت حركة اللسان الوسيلة إليه كذلك ، إذ الوسائل تابعة للمقصود في الحكم.
قيل : لا يلزم ذلك. فقد يكون الشيء مباحا ، بل واجبا ، ووسيلته مكروهة كالوفاء بالطاعة المنذورة : هو واجب ، مع أن وسيلته ، وهو النذر مكروه منهي عنه ، وكذلك الحلف المكروه مرجوح ، مع وجوب الوفاء به أو الكفارة ، وكذلك سؤال الخلق عند الحاجة مكروه. ويباح له الانتفاع بما أخرجته له المسألة ، وهذا كثير جدا. فقد تكون الوسيلة متضمنة مفسدة تكره أو تحرم لأجلها ، وما جعلت وسيلة إليه ليس بحرام ولا مكروه.
فصل
وأما المعبودات الخمس على الجوارح : فعلى خمس وعشرين مرتبة أيضا : إذ الحواس خمسة. وعلى كل حاسة خمس عبوديات ، فعلى السمع : وجوب الإنصات ، والاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه ، من