بل غايتها ـ إذا بذل العبد فيها نصحه وجهده ، وأوقعها على أكمل الوجوه ـ : أن تقع شكرا له على بعض نعمه عليه ، فلو طالبه بحقه لبقيت عليه من الشكر على تلك النعمة بقية لم يقع بشكرها. فلذلك لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ، كما ثبت ذلك عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولهذا نفي النبي صلىاللهعليهوسلم دخول الجنة بالعمل ، كما قال «لن يدخل الجنة أحدا منكم الجنة بعمله» وفي لفظ لن يدخل أحدا الجنة منكم الجنة بعمله» وفي لفظ «لن ينجي أحدا منكم عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» وأثبت سبحانه دخول الجنة بالعمل ، كما في قوله : ١٦ : ٣٢ (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ولا تنافي بينهما. إذ توارد النفي والإثبات ليس على معنى واحد ، فالمنفيّ استحقاقها بمجرد الأعمال ، وكون الأعمال ثمنا وعوضا لها : ردا على القدرية ، التي زعمت أن التفضل بالثواب ابتداء متضمن لتكرير المنة.
وهذه الطائفة من أجهل الخلق بالله ، وأغلظهم عنه حجابا. وحقّ لهم أن يكونوا مجوس هذه الأمة ، ويكفي في جهلهم بالله : أنهم لم يعلموا : أن أهل سماواته وأرضه في منته ، وأن من تمام الفرح والسرور والغبطة واللذة : اغتباطهم بمنة سيدهم ومولاهم الحق ، وأنهم إنما طاب لهم عيشهم بهذه المنة. وأعظمهم منه منزلة ، وأقربهم إليه : أعرفهم بهذه المنة ، وأعظمهم إقرارا بها ، وذكرا لها ، وشكرا عليها ، ومحبة له لأجلها ، فهل ينقلب أحد قط إلا في منته؟ ٤٩ : ١٧ (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ، قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ، بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
واحتمال منة المخلوق : إنما نقصا لأنه نظيره. فإذا منّ عليه استعلى عليه ، ورأى الممنون عليه نفسه دونه ، هذا مع أنه ليس في كل مخلوق ، فلرسول الله صلىاللهعليهوسلم المنة على أمته ، وكان أصحابه يقولون : «الله ورسوله أمنّ» ولا نقص في منة الوالد على ولده ، ولا عار عليه في احتمالها ، وكذلك السيد