عن ابن عمر ، أنّ رجلا قام إليه فقال : يا أبا عبد الرحمن إنّ أقواما يعملون الكبائر ويقولون : كان ذلك في علم الله فلم نجد بدّا منه. فغضب وقال : سبحان الله ، قد كان في علمه أنهم يفعلونها ، فلم يحملهم على الله على فعلها. حدّثني أبي أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : مثل علم الله فيكم كمثل السماء التي أظلّتكم ، والأرض التي أقلّتكم. فكما لا تستطيعون الخروج من السماء والأرض ، فكذلك لا تستطيعون الخروج عن علم الله تعالى ، وكما لا تحملكم السماء والأرض على الذنوب ، فكذلك لا يحملكم علم الله تعالى عليها.
والمقصود : أن علمه تعالى الأزلي محيط بأفعال العباد ، ولكن من غير أن يكون علمه تعالى سببا وعلّة في إيجادها ؛ لأنّ علمه تعالى السابق ، تبع لعمل العبد اللّاحق ، فكيفما يعمل يعلمه تعالى من غير أن يكون هذا العلم مؤثرا في إرادة العبد.
وهذا المعنى الواضح ، لم يدركه مثل الإمام الرازي؟ ولعلّه تظاهر بعدم الفهم! قال تعقيبا على هذه الحكاية : إنّ في الأخبار التي يرويها الجبرية والقدرية كثرة ، والغرض من رواية هذا الحديث بيان أنّه لا يليق بالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقول مثل ذلك ؛ لأنه متناقض وفاسد ، أما المتناقض فلأنّ الصدر يدل على الجبر ، والذيل صريح في القدر. وأما أنه فاسد فلأن العلم بعدم الإيمان ووجود الإيمان متنافيان ، فالتكليف بالإيمان مع وجود العلم بعدمه تكليف بالجمع بين النفي والإثبات (١).
قلت : ولعل إمامنا الرازي طاعن في ضلاله القديم أو متظاهر بذلك.
ومن ذلك أيضا ، ما ذكره عند تفسير قوله تعالى : (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ
__________________
(١) راجع : التفسير الكبير ، ج ٢ ، ص ٤٢ ـ ٤٧.