القراءة بلا تدبّر ؛ وفائدة التدبّر هو أن تعرف معنى ما تتلوه من الآي (١). انتهى.
وقال الحسن بن أبي الحسن (٢) : إنّكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل ، وجعلتم الليل جملا تركبونه ، فتقطعون به المراحل ، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربّهم ، فكانوا يتدبّرونه بالليل ، وينفذونه بالنهار ، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتّخذوا درسه عملا ، إنّ أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ، ما يسقط منه حرفا ، وقد أسقط العمل به.
قال* ع (٣) * : قال الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) [القمر : ٢٢] وقال تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) [المزمل : ٥] ، أي : علم معانيه ، والعمل به ، والقيام بحقوقه ثقيل ، فمال الناس إلى الميسّر ، وتركوا الثقيل ، وهو المطلوب منهم ، وقيل ليوسف بن أسباط (٤) : بأي شيء تدعو ، إذا ختمت القرآن؟ فقال : أستغفر الله من تلاوتي ؛ لأنّي إذا ختمته ، ثم تركت ما فيه من الأعمال ، خشيت المقت ، فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح ، وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء ، قال : فلما ختمته ، أردت الرجوع من أوّله ، فقال لي : اتخذت القراءة عليّ عملا ، اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك ، وانظر ماذا يفهمك منه ، قال الغزّاليّ في كتاب «التفكّر» : وأما طريق الفكر الذي تطلب به العلوم التي تثمر اجتلاب أحوال محمودة ، أو التنزّه عن صفات مذمومة ، فلا يوجد فيه أنفع من تلاوة القرآن بالفكر ؛ فإنه جامع لجميع المقامات والأحوال ، وفيه شفاء للعالمين ، وفيه ما يورث الخوف ، والرجاء ، والصبر ، والشكر ، والمحبة ، والشوق ، وسائر الأحوال المحمودة ، وفيه ما يزجر
__________________
(١) «بهجة النفوس» لابن أبي جمرة (٤ / ٧٦)
(٢) الحسن بن أبي الحسن البصري ، مولى أم سلمة ، والربيع بنت النضر ، أو زيد بن ثابت ، أبو سعيد الإمام ، أحد أئمة الهدى والسنة. قال ابن سعد : كان عالما جامعا رفيعا ثقة مأمونا عابدا ، ناسكا ، كثير العلم فصيحا جميلا ، وسيما ، ما أرسله فليس بحجة ، وكان الحسن شجاعا من أشجع أهل زمانه. قال ابن علية : مات سنة عشر ومائة. قيل : ولد سنة إحدى وعشرين لسنتين بقيتا من خلافة عمر. قال أبو زرعة : كل شيء قال الحسن : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجدت له أصلا ثابتا خلا أربعة أحاديث.
ينظر : «خلاصة تهذيب الكمال» (١ / ٢١٠) ، «تهذيب الكمال» (١ / ٢٥٥) ، «تهذيب التهذيب» (٢ / ٢٦٣) و «تقريب التهذيب» (١ / ١٦٥) ، «خلاصة تهذيب الكمال» (١ / ٢١٠) ، «الكاشف» (١ / ٢٢٠)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٣٩)
(٤) أحد الزهاد والعباد ، وكان له اليد الطولى في المواعظ والحكم. روى عن الثوري وزائدة بن قدامة وغيرهما. وروى عنه المسيب بن واضح ، وعبد الله بن خبيق. نزل الثغور مرابطا. قال شعيب بن حرب : ما أقدم على يوسف بن أسباط أحدا. وقد وثقه ابن معين. ينظر ترجمته في : «حلية الأولياء» (٨ / ٢٣٧) ، «سير أعلام النبلاء» (٩ / ١٦٩)