والمنقول عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمنقول عن الصّحابة ، والمنقول عن التّابعين.
وجلّ الذين يكتبون عن تاريخ التفسير ويتحدّثون عن الاتجاه الأثريّ يبدأونه بالطبريّ ، «فيقطعون بذلك اتصال سلسلة التطوّر في الأوضاع التفسيريّة بين القرن الأول والقرن الثالث بإضاعة حلقة من تلك السلسلة التي تمثّل منهج التفسير في القرن الثّاني ؛ لأن تفسير ابن جرير الطبريّ ألّف في أواخر القرن الثالث ، وصاحبه توفّي في أوائل القرن الرّابع ، وبالوقوف على هذه الحلقة ـ وهي إفريقيّة تونسيّة ـ يتّضح كيف تطوّر فهم التفسير عما كان عليه في عهد ابن جريج ، إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبريّ ، ويتضح لمن كان الطبريّ مدينا له بذلك المنهج الأثريّ النظريّ الذي درج عليه في تفسيره العظيم.
«ذلك التفسير هو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق ، ويعدّ صاحبه مؤسّس طريقة التفسير النقديّ ، أو الأثريّ النظريّ الذي صار بعده «ابن جرير الطبريّ» واشتهر بها.
ذلك هو تفسير «يحيى بن سلّام» التميميّ البصريّ المتوفّى سنة ٢٠٠ ه ، ويقع في ثلاث مجلّدات ضخمة ، وقد بناه على إيراد الأخبار مسندة ، ثم تعقّبها بالنقد والاختيار ، وكان يبني اختياره على المعنى اللّغويّ والتخريج الإعرابيّ ، وتوجد من هذا التفسير نسخة بتونس (١).
ويعدّ ابن جرير الطبريّ ربيب تلك الطريقة ، طريقة يحيى بن سلّام ، وثمرة غرسه ، وقد ذكر السّيوطيّ عددا من مفسّري هذا الاتجاه الأثريّ منهم :
* يزيد بن هارون ت ١١٧ ه.
* شعبة بن الحجّاج ت ١٦٠ ه.
* وكيع بن الجرّاح ت ١٩٧ ه.
* سفيان بن عيينة ت ١٩٨ ه ، وغيرهم.
ـ «ابن جرير الطّبريّ» (٢) :
لكنّ التفسير حين انتهى إلى الطبريّ في أوائل القرن الثالث الهجريّ «كان نهرا مزبدا ،
__________________
(١) «التفسير ورجاله» / ابن عاشور ص ٢٧.
(٢) هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ، الإمام أبو جعفر الطبري ، ولد سنة ٢٢٤ ه ، وتوفي سنة ٣١٠ ه. وقد جاوز الثمانين بخمس أو ست سنين.