وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣)
وقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ...) الآية : تعديد لما يتلى على الأمّة ممّا استثني من بهيمة الأنعام ، (وَالدَّمُ) : معناه : المسفوح ، (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) : مقتض لشخمه ؛ بإجماع ، (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) : قد تقدّم ، (وَالْمُنْخَنِقَةُ) : معناه : التي تموت حنقا ، (وَالْمَوْقُوذَةُ) : التي ترمى أو تضرب بعصا ، وشبهها ، (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) : هي التي تتردّى من علو إلى سفل ، فتموت ، (وَالنَّطِيحَةُ) : فعيلة بمعنى مفعولة ، (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) : يريد كلّ ما افترسه ذو ناب ، وأظفار من الحيوان ، وكانت العرب تأكل هذه المذكورات ، ولم تعتقد ميتة إلا ما مات بالوجع ونحو ذلك.
واختلف العلماء في قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) ، فقال ابن عباس ، وجمهور العلماء : الاستثناء من هذه المذكورات ، فما أدرك منها يطرف بعين أو يحرّك ذنبا (١) ، وبالجملة / : ما يتحقّق أنه لم تفض نفسه ، بل له حياة ، فإنه يذكّى على سنّة الذّكاة ، ويؤكل ، وما فاضت نفسه ، فهو الميتة ، وقال مالك مرّة بهذا القول ، وقال أيضا ، وهو المشهور عنه ، وعن أصحابه من أهل المدينة : إنّ قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) : معناه : من هذه المذكورات في وقت تصحّ فيه ذكاتها ، وهو ما لم تنفذ مقاتلها ، ويتحقّق أنها لا تعيش ، ومتى صارت في هذا الحدّ ، فهي في حكم الميتة ، فالاستثناء عند مالك متّصل ؛ كقول الجمهور ، لكنه يخالف في الحال التي يصحّ فيها ذكاة هذه المذكورات واحتجّ لمالك ؛ بأنّ هذه المذكورات لو كانت لا تحرم إلّا بموتها ، لكان ذكر الميتة أولا يغني عنها ، ومن حجّة المخالف أن قال : إنما ذكرت بسبب أنّ العرب كانت تعتقد أنّ هذه الحوادث كالذّكاة ، فلو لم يذكر لها غير الميتة ، لظنّت أنها ميتة الوجع ؛ حسبما كانت عليه ، والذّكاة في كلام العرب : الذّبح.
وقوله سبحانه : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) : عطف على المحرّمات المذكورة ، والنّصب : حجارة تنصب ، يذبحون عليها ، قال ابن جريج : وليست النّصب بأصنام ؛ فإن الصّنم يصوّر وينقش ، وهذه حجارة تنصب ، وكانت العرب تعبدها (٢) ، قال ابن زيد : ما ذبح على النّصب وما أهلّ لغير الله به : شيء واحد (٣) (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤١١) برقم (١١٠٣٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ١٥١)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤١٤) برقم (١١٠٥٢) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ١٥٢)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤١٥) برقم (١١٠٦١) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ١٥٢)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٥٣)