قال ع : ما ذبح على النصب جزء ممّا أهلّ به لغير الله ، لكن خصّ بالذّكر بعد جنسه ؛ لشهرة أمره.
وقوله سبحانه : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) : حرّم سبحانه طلب القسم ، وهو النّصيب ، أو القسم ـ بفتح القاف ـ ، وهو المصدر ؛ بالأزلام ، وهي سهام ، قال صاحب «سلاح المؤمن» : والاستقسام : هو الضّرب بها ؛ لإخراج ما قسم لهم ، وتمييزه بزعمهم. انتهى ، وأزلام العرب على أنواع ؛ منها الثلاثة الّتي كان يتّخذها كلّ إنسان لنفسه على أحدها «افعل» ، وعلى الآخر «لا تفعل» ، وثالث مهمل ؛ لا شيء عليه ، فيجعلها في خريطة معه ، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده ، وهي متشابهة فأخرج أحدها ، وأتمر له ، وانتهى بحسب ما يخرج له ، وإن خرج القدح الذي لا شيء فيه ، أعاد الضّرب.
وقوله سبحانه : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) : إشارة إلى الاستقسام بالأزلام.
وقوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) : معناه ؛ عند ابن عباس وغيره : من أن ترجعوا إلى دينهم (١) ، وظاهر أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأمر أصحابه ، وظهور الدّين يقتضي أنّ يأس الكفّار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان ، وإنما هذا اليأس عندي من اضمحلال أمر الإسلام ، وفساد جمعه ؛ لأن هذا أمر كان يترجّاه من بقي من الكفّار ؛ ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أميّة (٢) في يوم هوازن حتى انكشف المسلمون ، وظنّها هزيمة : «ألا بطل السّحر اليوم» ، إلى غير هذا من الأمثلة ، وهذه الآية في قول الجمهور ؛ عمر بن الخطاب (٣) وغيره : نزلت في عشيّة يوم عرفة يوم الجمعة ، وفي ذلك اليوم امّحى أمر الشّرك من مشاعر الحجّ ، ولم يحضر من المشركين الموسم بشر ، فيحتمل قوله تعالى : (الْيَوْمَ) : أن تكون إشارة إلى اليوم بعينه ، ويحتمل أن تكون إشارة إلى الزّمن والوقت ، أي : هذا الأوان يئس الكفّار من دينكم.
وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) / : يعمّ سائر الكفّار من العرب وغيرهم ؛ وهذا يقوّي أنّ اليأس إنما هو من انحلال أمر الإسلام ، وأمر سبحانه بخشيته الّتي هي رأس كلّ عبادة ؛ كما قال صلىاللهعليهوسلم : «ومفتاح كلّ خير».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤١٨) برقم (١١٠٧٩) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٥٤) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٤٤٢)
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ٤٤٢)