وقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) : تحتمل الإشارة ب «اليوم» ما قد ذكرناه ، حكى الطبريّ (١) ؛ أنّ النبيّ ـ عليهالسلام ـ لم يعش بعد نزول هذه الآية إلّا إحدى وثمانين ليلة ، والظاهر أنه عاش صلىاللهعليهوسلم أكثر بأيام يسيرة ، قلت : وفي سماع ابن القاسم ، قال مالك : بلغني أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال في اليوم الذي توفّي فيه ، وقف على بابه ، فقال : «إنّي لا أحلّ إلّا ما أحلّ الله في كتابه ، ولا أحرّم إلّا ما حرّم الله في كتابه ، يا فاطمة بنت رسول الله ، ويا صفيّة عمّة رسول الله ، اعملا لما عند الله ؛ فإنّي لا أغني عنكما من الله شيئا» ، قال ابن رشد : هذا حديث يدلّ على صحّته قول الله عزوجل : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨] ، وقال تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل : ٨٩] ، فالمعنى في ذلك : أنّ الله عزوجل نصّ على بعض الأحكام ، وأجمل القول في بعضها ، وأحال على الأدلّة في سائرها بقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣] فبيّن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ما أجمله الله في كتابه ؛ كما أمره ؛ حيث يقول : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، فما أحلّ صلىاللهعليهوسلم ، أو حرّم ، ولم يوجد في القرآن نصّا ، فهو مما بيّن من مجمل القرآن ، أو علمه بما نصب من الأدلّة فيه ، فهذا معنى الحديث ، والله أعلم ، فما ينطق صلىاللهعليهوسلم عن الهوى ؛ إن هو إلّا وحي يوحى. انتهى من «البيان والتحصيل».
وفي «الصحيح» ؛ «أنّ عمر بن الخطّاب ، قال له يهوديّ : آية في كتابكم تقرءونها ، لو علينا نزلت ، لاتّخذنا ذلك اليوم عيدا ، فقال له عمر : أيّ آية هي؟ فقال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، فقال له عمر : قد علمنا ذلك اليوم ؛ نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو واقف بعرفة يوم الجمعة» (٢).
__________________
(١) ينظر : الطبري (٤ / ٤١٨)
(٢) أخرجه البخاري (١ / ١٢٩) كتاب «الإيمان» ، باب زيادة الإيمان ونقصانه ، حديث (٤٥) ، وفي (٧ / ٧١٢) كتاب «المغازي» ، باب حجة الوداع ، حديث (٤٤٠٧) ، وفي (٨ / ١١٩) كتاب «التفسير» ، باب (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، حديث (٤٦٠٦) ، وفي (١٣ / ٢٥٩) كتاب «الاعتصام» : حديث (٧٢٦٨) ، ومسلم (٤ / ٢٣١٢ ـ ٢٣١٣) كتاب «التفسير» ، حديث (٣ ـ ٥ / ٣٠١٧) ، والترمذي (٥ / ٢٥٠) كتاب «التفسير» ، باب سورة المائدة ، حديث (٣٠٤٣) ، والنسائي (٥ / ٢٥١) كتاب «الحج» ، باب ما ذكر في يوم عرفة ، و (٨ / ١١٤) كتاب «الإيمان» ، باب زيادة الإيمان ، وأحمد (١ / ٢٨) ، والحميدي (٣١) ، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص ـ ٤٠) رقم (٣٠) ، والطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٢١) رقم (١١٠٩٨) ، وابن حبان (١٨٥) ، والآجري في «الشريعة» (ص ١٠٥) ، والبيهقي (٥ / ١١٨) كتاب «الحج» ، كلهم من طريق قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بن الخطاب به.
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
والحديث : ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٥٦) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر.