الكلاب. سأله عاصم بن عديّ وغيره ، ماذا يحلّ لنا من هذه الكلاب» (١).
قال ع (٢) : وظاهر الآية أنّ سائلا سأل عمّا يحلّ للنّاس من المطاعم ؛ لأنّ قوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) ليس بجواب عمّا يحلّ للناس اتخاذه من الكلاب إلّا أن يكون من باب إجابة السائل بأكثر ممّا سأل عنه ، وهو موجود كثيرا من النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والطّيّب : الحلال.
وقوله سبحانه : (وَما عَلَّمْتُمْ) : أي : وصيد ما علّمتم ، قال الضّحّاك وغيره : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) : هي الكلاب خاصّة.
قال العراقيّ في (مُكَلِّبِينَ) : أصحاب أكلب لها معلّمين. انتهى ، وأعلى مراتب التّعليم ، أن يشلى الحيوان فينشلي ، ويدعى فيجيب ، ويزجر بعد ظفره بالصّيد ، فينزجر ، وجوارح : جمع جارح ، أي : كاسب ، يقال : جرح فلان ، واجترح ؛ إذا اكتسب ؛ ومنه قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [الأنعام : ٦٠] ، أي : ما كسبتم من حسنة وسيئة.
قال ع (٣) : وقرأ (٤) جمهور النّاس : (وَما عَلَّمْتُمْ) ـ بفتح العين واللام ـ ، وقرأ ابن عبّاس ومحمّد ابن (٥) الحنفيّة : «علّمتم» ـ بضم العين وكسر اللام ـ : أي : من أمر الجوارح ، والصّيد بها ، وقرأ جمهور النّاس : «مكلّبين» ـ بفتح الكاف وشدّ اللام ـ ، والمكلّب : معلّم الكلاب ، ومضرّيها ، ويقال لمن يعلّم غير كلب : مكلّب ؛ لأنه يردّ ذلك الحيوان كالكلب.
وقوله سبحانه : (تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) : أي : تعلمونهنّ الحيلة في الاصطياد ، والتأتّي لتحصيل الحيوان ، وهذا جزء مما علّمه الله الإنسان ، ف «من» : للتبعيض.
وقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) : يحتمل : ممّا أمسكن ، فلم يأكلن منه شيئا ، ويحتمل : ممّا أمسكن ، وإن أكلن منه ، وبحسب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد ، إذا أكل منه الجارح.
وقوله سبحانه : (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) : أمر بالتسمية عند الإرسال ، وذهب مالك
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٤٨) برقم (١١١٣٨) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ١٥٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٥٨) ، وعزاه لابن جرير عن عكرمة.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٥٦)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٥٧)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٥٧)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٥٧) ، و «البحر المحيط» (٣ / ٤٤٥) ، و «الدر المصون» (٢ / ٤٨٩)