بعض الطّرق ؛ أنهم سملوا أعين الرّعاء ، وقالوا : هذه الآية هي في المحارب المؤمن.
قال مالك : المحارب عندنا : من حمل على الناس السلاح في مصر أو برّيّة ، فكابرهم عن أنفسهم وأموالهم ، دون نائرة (١) ، ولا دخل ، ولا عداوة ؛ وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم ، قالوا : والإمام مخيّر فيه بأن يعاقبه بما رأى من هذه العقوبات ، فأما قتل المحارب ، فبالسّيف ضربة للعنق ، وأما صلبه ، فبعد القتل عند جماعة ، وقال جماعة : بل يصلب حيّا ، ويقتل بالطعن على الخشبة ، وروي هذا عن مالك ، وهو الأظهر من الآية ، وهو الأنكى في النكال ، وأما القطع ، فاليد اليمنى من الرّسغ والرّجل الشّمال من المفصل.
وقوله سبحانه : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) : الظاهر : أن الأرض في هذه الآية هي أرض النازلة ، وقد جنب الناس قديما الأرض التي أصابوا فيها الذّنوب ؛ ومنه حديث الذي ناء بصدره نحو الأرض المقدّسة ، وينبغي للإمام ، إن كان هذا المحارب المنفيّ مخوف الجانب ، يظنّ به أن يعود إلى حرابة وإفساد ـ أن يسجنه في البلد الذي يغرب إليه ، وإن كان غير مخوف الجانب ، ترك مسرّحا ، وهذا هو صريح مذهب مالك.
وقوله تعالى : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا ...) الآية : إشارة إلى هذه الحدود التي توقع بهم ، فيحتمل الخزي لمن عوقب ، وعذاب الآخرة لمن سلم في الدنيا ، وبالجملة فهم في المشيئة.
وقوله سبحانه : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ...) الآية : استثنى عزوجل التائب قبل أن يقدر عليه ، وأخبر سبحانه بسقوط حقوقه عنه ؛ بقوله : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، والعلماء على أن الآية في المؤمنين ، ويؤخذ المحارب بحقوق / الناس ، وإن تاب ؛ هذا هو الصحيح.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٣٧)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ...) الآية : هذه الآية
__________________
(١) النائرة : الحقد والعداوة. والدّخل : ما داخل الإنسان من فساد في عقل أو جسم.
ينظر : «لسان العرب» (١٣٤٢) ، (٤٥٩٣).